عاجل
الخميس 02 مايو 2024 الموافق 23 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: الغلاء.. وأسعار الدواء

الكاتب الصحفي ياسر
الكاتب الصحفي ياسر حمدى

لا أظن أن هناك ما يشغل الناس أكثر من الغلاء.. لا السياسة، ولا الحوارات، ولا حتى مباريات كرة القدم وأخبار الفنانين، وهناك لا شك أسباب خارجية للأزمة الإقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر، لكن المؤكد أن هناك أسبابًا داخلية كثيرة، يمكن للحكومة أن تتحرك فيها وتتخذ قرارات حاسمة تشعر المواطنين بجديتها.

اليوم سأركز على عنصر أساسي من هذه الأسباب الداخلية وهو الإنفلات الشامل في أسعار السلع والخدمات، حيث تقوم كل شركة أو مصنع برفع أسعار منتجاتها ويعرض كل بائع أو تاجر السعر حسب مزاجه من دون خوف من محاسبته.. أعي جيدًا أن السبب الأساسي في إرتفاع أو إنخفاض الأسعار هو العرض والطلب، لكن ومن مشاهدات عينية مباشرة، فإن الأمر ليس هكذا على طول الخط في الأسواق المصرية.

وهذا الإنفلات الشامل في الأسعار بسبب جشع وطمع بعض التجار لا يقتصر على سلعة ترفيهية وكمالية أو أساسية أو ما بينهما، بل يبدأ من «حزمة الجرجير» مرورًا بالأدوية وفواتير الخدمات الأساسية كالكهرباء والغاز والمياه وخلافه ونهاية بالسع الرئيسية كالخبز والأرز.

لا أتحدث في هذا المقال عن إرتفاع الأسعار فأنا أدرك تمامًا أسباب ما حدث وأهمها إرتفاع قيمة الدولار أمام الجنيه بنحو الضعف تقريبًا، وبالتالي فإن كل السلع المستوردة إرتفعت بنفس النسبة تقريبًا وربما أكبر، كما أن بقية السلع إرتفعت مع زيادة معدل التضخم، لكن ما أتحدث عنه اليوم هو بإختصار أنه إذا كان سعر سلعة قبل التعويم عشرة جنيهات، وصار سعرها بعد التعويم عشرين جنيهًا، أي الإرتفاع الحقيقي الذي حدث بالفعل، فالسؤال هو: لماذا تباع هذه السلعة بثلاثين جنيهًا وأكثر؟!
هذا الأمر في المبالغة الغير مبررة في زيادة الأسعار بالشكل المستفز للغاية لم يسلم منه الدواء الذي لا غنى عنه تحت أي ظرف أو ضغوط، فالإنسان ممكن أن يتحمل الجوع ونقص الخدمات لكنه لم ولن يستطيع أن يتحمل ألم المرض وخصوصًا لو كان الذي يتألم هم أبنائه أو أحد أفراد أسرته، سيبذل ما في وسعه من أجل توفير قيمة الكشف والعلاج الذي باتت أسعاره في السماء، وأصبح من الصعوبة بمكان توفير قيمته الخيالية بالنسبة للإنسان البسيط وعمال اليومية.
فلو نظرنا إلي قيمة الدواء سنجدها إرتفعت أضعاف ما كان يجب أن تكون عليه لخمس أضعاف قيمته الفعلية والحقيقة، مستغلين في ذلك الأزمة الإقتصادية العالمية وغياب الرقابة الحكومية، فعقار كالأوجمنتين شراب على سبيل المثال كان سعره ٧٦ جنيهًا زاد سعره إلى ٩٩ جنيه وأخيرًا أصبح سعره غير النهائي ١٣١ جنيه خلال ستة أشهر، فهل هذه الزيادة عادلة؟! أم أنها إستغلال للأزمة؟! أم لعدم الرقابة الصارمة على الأسواق بشكل عام؟!

ولو نظرنا لعقار أخر وهو يستخدم لعلاج الأنيميا كالڤيروجلوبين كبسول كان سعره ٦٦ جنيهًا إرتفع ل ٨٠ جنيه وأخيرًا أصبح سعره ١٠٠ جنيه مع العلم أن الشركة المنتجة قد تقوم برفع سعره مرة أخرى، والكارثة في منتجات ألبان الأطفال التي لا غنى عنها على الإطلاق فحليب بيبي لاك على سبيل المثال كان ب ١٠٥ زاد ل ١٢٠ ثم ١٤٠ جنيه ثم ١٨٥ ثم ٢٢٠ جنيه، والبروفين كان سعره ١١ جنيه أصبح ب ٢٨ جنيه، والسيتال شراب من ١١ جنيه إلى ٢١ جنيه، والطامة الكبرى في علاج الغدة إلتركسون كان سعره ما بين ال ٤٠ جنيه و ال ٦٠ جنيه تلاعبت الشركات به واختفى من السوق فجأة وأصبح سعره في السوق السوداء ما بين ال ٥٠٠ جنيه إلى ٨٠٠ جنيه، والسبب غياب الرقابة !!
جميع الأدوية في مصر زادت بشكل جنوني وبلا استثناء منها من زاد الضعفين وفي الغالب وصلت للثلاث والأربع والخمسة أضعاف، هذه الزيادة الغير مبررة أضرت المواطن والصيدلي على حد سواء، بل زاد ضررها على أصحاب الصيدليات بشكل واضح وكبير حتى باتت تهددهم بالإفلاس وغلق محل عملهم ومصدر رزقهم، حيث تأكل الزيادة من رأسمالهم، مما يهدد بتشريد عدد كبير من العاملين معهم نتيجة لإستغلال الشركات والمصانع للظروف الإقتصادية الصعبة والتضخم العالمي.  

التضخم الرسمي المحلي مرتفع للغاية، وقد بلغ في شهر يونيو الماضي - وفقًا لبيانات البنك المركزي - أحد أعلى المعدلات التي بلغتها مصر في العقود الماضية.. ولكن تجارب المواطنين ومعاناتهم اليومية تتجاوز ذلك بكثير، والخوف مما سيأتي به العام الدراسي المقبل من زيادات في أسعار المدارس والدروس ومستلزماتها وهذا يقلق كل بيت الغني والفقير.

الخطاب الحكومي المعروف أن الإقتصاد كان على مسار سليم، إلى أن طرأت أزمتا «كورونا» و«أوكرانيا»، فتعقد الوضع، واضطرب الإقتصاد العالمي، وزادت الأسعار في كل أنحاء العالم، ونحن جزء منه.. وهذا التفسير - كما كتبت وكتب آخرون من قبل - محل خلاف وجدال.. ولكن دعونا اليوم نرجئ هذا النقاش ونفكر في الغلاء الحالي وما يمكن عمله حياله.

أكيد أن الحل الحقيقي والحاسم هو الإصلاح الهيكلي للإقتصاد وإعادته لمسار الاستثمار والإنتاج والتشغيل والتصدير.. ولكنه حل طويل المدى، حتى لو بدأنا تنفيذه اليوم، فهل هناك ما يمكن عمله لمواجهة إنفلات الأسعار في المدى القصير؟.
لنتفق أولًا على أن جانبًا لا يستهان به من الغلاء الحالي والإنفلات المبالغ فيه لأسعار العديد من السلع والخدمات ليس مما يمكن تفسيره أو تبريره اقتصاديًا، لا بتراجع الإنتاج، ولا بانخفاض قيمة الجنيه المصري، ولا بالقيود على الإستيراد، هناك زيادة مفرطة نابعة بالتأكيد من خلل بالغ في السوق المحلية، وهناك أرباح هائلة يحققها كل مَن لديه القدرة على تخزين السلع وتقييد توافرها والتلاعب في أسعارها، ولكن إلقاء اللوم على جشع التجار ليس الحل، لأن فساد الأخلاق وقلة الضمائر أمر يلزم توقعه والتعامل معه والتدخل لمواجهته ومنع وقوعه.

نعود إذن إلى الدولة وما يلزم عليها أن تقوم به لكي تمنع «جشع التجار» من السيطرة على مصائر الناس إلى هذا الحد، وهنا نجد أن الجميع يطالب الحكومة بالضرب بيد من حديد، وإحكام الرقابة على الأسواق، وتغليظ العقوبات، وفرض أسعار جبرية، والحقيقة هذا الكلام للأسف نظري ولن يكون له أثر على أرض الواقع، لأن الواقع نفسه إختلف عن العصر الذي كان يمكن فيه للدولة

تابع موقع تحيا مصر علي