الكراون صاحب الحنجرة الذهبية.. الشيخ عبد الباسط عبد الصمد «رحل بجسده وبقي صوته يصدح بعد 35 عاما»
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.. أحد أعلام دولة التلاوة، الذي أطرب العالم العربي والإسلامي بصوته، وأثر القلوب قبل الأذان، بعدما جعلها تتعلق به وترتبط بهذا الصوت الفريد الذي يصدح عبر أثير الإذاعة المصرية إلى يومنا هذا، كما تعالى بعذوبية غير معتادة في كل المناسبات التي يكون حاضرًا لها.
هذا الصوت الذي ظل مغردًا، رغم رحيل صاحبه في مثل هذا اليوم قبل 35 عامًا "30 نوفمبر 1988"، قدم من أقصى صعيد مصر إلى القاهرة، قبل أن ينطلق ليشدوا بآيات الله في العديد من دول العالم حتى وصل إلى أطهر بقاع الأرض الذي تلا فيها القرآن بأمر ملكي، ما يعكس مدى الصيت الذي وصل إليه "الصوت المكي" كما لُقب بعدها.
بداية الشيخ عبد الباسط عبد الصمد
نشأت الشيخ عبد الباسط في كنف أسرة متعلقة بالقرآن وحافظة لكتاب الله متقنة أحكامه، جعلت يسير على نفس هذا النهج الإلهي.. فطوق القرآن الكريم عنق الشيخ في السادسة من عمره، قبل أن يتقنه ويحسن تلاوته بشكل فريد في سن العاشرة، ومن هنا بدأ يذيع هذا الصوت العذب في صعيد مصر، حيث ولد بقرية المراعزة التابعة لمدينة ومركز أرمنت بمحافظة قنا عام 1927.

وخلال تلك السنين، ظل يعانق صوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد سماء صعيد مصر، قبل أن تحدث له نقلةجعلته الأشهر بين قراء العالم.. عندما ذهب للاحتفال بالمولد في السيدة زينب، وهناك قابل الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، ومصطفى إسماعيل، حيث قرأ في حضرتهم أكثر من 60 دقيقة بعدما كان محدد له 10 دقائق فقط.
رحلته مع الإذاعة المصرية
كان الشيخ عبد الباسط عبد الصمد أحد الذين جعلوا الغالبية يرتبطون بالإذاعة المصرية إلى الآن، فهذا "الكروان" الذي يصدح عبر أثيرها، ظل كعلامة مميزة لتلك الإذاعة التي لا تزال أفئدة الكثيرين مرتبطة بها من أجل الاستماع إلى هذا الصوت الملائكي.
وهنا بدأت الرحلة، في عام 1951، حيث تمكّن الشيخ عبد الباسط عبد الصمد من دخول الإذاعة المصرية، وتشكّلت حينها لجنة من كبار العلماء، فقد ضمّت الشيخ حسن البنا، والشيخ الضياع، والشيخ محمود شلتوت، وقدّم الشيخ عبد الباسط حينها تلاواتٍ عذبة، والتحق بالإذاعة بعد أن أبدتْ لجنةُ الإذاعة انبهارها بأدائِهِ القوي العالي، وتمّ اتخاذُهُ كقارئٍ رسميٍ للإذاعة.

ليترك فيها إرثًا عظيمًا متضمنًا تسجيلات صوتية للقرآن الكريم "ترتيلا وتجويدًا"، وأصبح صوتُهُ ينتشر في كلّ بيوت مصر، وبفضل انضمامه إلى الإذاعة المصرية توافد المواطنون في مصر إلى اقتِناء أجهزةِ الراديو للاستماع لتلاوات الشيخ عبد الباسط.
قرآءة القرآن بالأقصى والحرم
يعد الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، من القلائل الذين قرأوا القرآن بالمسجد الأقصى، كما تلى آيات الله في الحرم الإبراهيمي في الخليل، فضلا عن قراءة القرآن في العديد من دول العالم العربي والأوروبي، كما قرأ القرآن بالمسجد الحرام وهو أمر لا يحد إلى بأمر ملكي.

الصوت الشاهد على التاريخ
الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، بينما كان يعانق وصته الملائكي السماء، كان شاهدًا على أحداث تاريخية لن تمحى من الذاكرة، ومن بينها حادث اغتيال الراحل محمد أنور السادات الذي كان حاضرًا للحفل _ حيث اُغتيل السادات _ كمفتتح له بصوته العذب الذي يتغنى بآيات الذكر الحكيم.
كما كان شاهدًا على جنازة "عبد الناصر" حيث أحيى عزاء الرئيس الراحل، وسط جمع من القادة والمسؤولين، ولتكون تلك ختام رحلة طويلة بينه وبين عبد الناصر، مُلئت بالحكايات والأسرار، التي كان يغلفها ود ومحبة يكنها الزعيم لكروان الجنة.
أوسمة
حاز الشيخ عبد الباسط على تكريماتٍ وأوسمةٍ كثيرةٍ من الرؤساء والملوك في حياته، وكان من بينها: وسام الإذاعة المصرية في عيدها الخمسين عام 1984. وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في الاحتفال بليلة القدر عام 1990. الوسام الذهبي من باكستان عام 1958. وسام الكفاءة الفكرية المغربي. وسام الاستحقاق من إندونيسيا. وسام الاستحقاق السنغالي. نياشين من تونس ولبنان والعراق.
35 عاما على الرحيل
رحل عبد الباسط وظل صوته حيا فينا، فقبل 35 عامًا من الآن، وبينما كان يصارع الشيخ الراحل مرضا السكر والكبد، انتقل إلى عالم الآخرة، ليترك روحه وصوته تطوف وتطرب مستمعيه.
تطبيق نبض