عاجل
الخميس 12 ديسمبر 2024 الموافق 11 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

ما هو يمين اللغو وحكمه وكفارته وكيفية التوبة منه؟

حكم يمين اللغو
حكم يمين اللغو

ما حكم يمين اللغو وكفارته؟ يمين اللغو هو الحلف بالله على شيء يظنه الحالف كما أخبر فإذا هو بخلافه، أو أن يجري اليمين على لسانه دون قصد، ولا ينعقد هذا اليمين، ولا يجب على الحانث فيه كفارة بتوبة أو مال. وينصح بالبعد عن اليمين على العموم؛ لأن المولى سبحانه وتعالى أمرنا بحفظ الأيمان، ونهانا عن الإقدام عليها دون حاجة ملحة لها؛ تعظيما له جل شأنه، ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعلى عند المسلم من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية.

 

 الأيمان المنعقدة 

أجاب الدكتور علي فخر، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، على سؤال متصلة حول: "حلفت يمين إنى امتنع عن رؤية أى فاتورة شراء لابنتى لأسباب معينة، وأنا ابحث فى بعض الأوراق وقع عينى على فاتورة شراء، فهل وقع اليمين وعلى كفارة؟"

وقال أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية في فتوى له: "الحقيقة أن هذه الأيمان التي تُحلف عادةً تكون من باب اللغو، وليس من باب تعقيد اليمين، لا تُعد الأيمان في هذه الحالات من الأيمان المنعقدة التي تحتاج إلى كفارة، فعادةً ما نستخدم اليمين لأسباب غير جدية مثل الحفاظ على سرية هدية أو تجنب إزعاج الآخرين بشأن التكلفة".

 

وتابع: "في هذه الحالة، اليمين قد تكون لغوية، وهي لا تتطلب كفارة، ومع ذلك، إذا رغبت في تقديم كفارة من باب الاحتياط والاطمئنان، يمكنك فعل ذلك. كفارة اليمين تكون عادةً بإطعام عشرة مساكين، وهذا جائز ويعتبر تطمينا للقلب".

 

النهي عن كثرة الحلف


أمرنا الله تبارك وتعالي بحفظ الأيمان؛ فقال سبحانه وتعالى: ﴿واحفظوا أيمانكم﴾ [المائدة: 89]، ونهانا عن الإقدام عليها دون حاجة ملحة لها؛ تعظيما له جل شأنه، فكلما كان الإنسان أكثر تعظيما لله تعالى كان أكمل في العبودية، ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجل وأعلى عند المسلم من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية.

قال الإمام الرازي في "مفاتيح الغيب" (6/ 424-425­، ط. دار إحياء التراث العربي): [قوله: ﴿ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم﴾ [البقرة: 224] نهي عن الجرأة على الله بكثرة الحلف به، لأن من أكثر ذكر شيء في معنى من المعاني فقد جعله عرضة له،.. والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان: أن من حلف في كل قليل وكثير بالله، انطلق لسانه بذلك، ولا يبقى لليمين في قلبه وقع، فلا يؤمن إقدامه على اليمين الكاذبة، فيختل ما هو الغرض الأصلي في اليمين] اه.

وقال العلامة الزمخشري في "الكشاف" (4/ 586، ط. دار الكتاب العربي): في معنى قوله تعالى: ﴿ولاتطع كل حلاف مهين﴾ [القلم: 10]: [حلاف: كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به مزجرة لمن اعتاد الحلف].

أنواع اليمين


والأيمان جمع يمين، والمراد منها: قصد توكيد الخبر وتقوية الثقة بكلام الحالف ثبوتا ونفيا، وهي تنقسم بحسب مطابقة الحقيقة والواقع أو مخالفته إلى ثلاثة أنواع هي: اليمين الغموس، واليمين اللغو، واليمين المعقودة؛ ينظر: "بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع" للكاساني (3/ 3، ط. دار الكتب العلمية).

 

المراد بيمين اللغو


أما يمين اللغو -وهو مسألتنا- فقد اختلف الفقهاء في معناه وحقيقته؛ فذهب الحنفية والمالكية إلى أن المراد به: الحلف بالله على شيء يظنه الحالف كما أخبر فإذا هو بخلافه؛ سواء كان الإخبار عن الماضي أو الحال، وهذا هو أحد صور يمين اللغو عند الحنابلة.

 

قال العلامة السرخسي في "المبسوط" (8/ 129، ط. دار المعرفة): [اختلف العلماء في صورتها -أي: يمين اللغو- فعندنا صورتها: أن يحلف على أمر في الماضي أو في الحال، وهو يرى أنه حق ثم ظهر خلافه].

 

وقال أبو عبد الله المواق في "التاج والإكليل" (4/ 409، ط. دار الكتب العلمية): [لغو اليمين: أن يحلف على شيء يظنه كذلك في يقينه ثم تبين له خلافه؛ فلا كفارة عليه ولا إثم] اه.

 

وقال ابن قدامة في "الكافي" (4/ 187، ط. دار الكتب العلمية): [واللغو نوعان.. والثاني منهما: أن يحلف على شيء، يظنه كما حلف فيتبين بخلافه، وعنه: في هذا النوع الكفارة] اه.

وذهب الشافعية إلى أن المراد بلغو اليمين: هو ما يجري على اللسان من غير قصد الحلف؛ وهذا هو قول الإمام أبي حنيفة في رواية، والصورة الأخرى ليمين اللغو عند الحنابلة، وهو ظاهر المذهب عندهم.

قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (11/ 3، ط. المكتب الإسلامي): [من سبق لسانه إلى لفظ اليمين بلا قصد؛ كقوله في حالة غضب أو لجاج أو عجلة أو صلة كلام: لا والله، وبلى والله، لا تنعقد يمينه، ولا يتعلق به كفارة، ولو كان يحلف على شيء فسبق لسانه إلى غيره، فكذلك، وهذا كله يسمى لغو اليمين] اه.

وقال العلامة ابن قدامة في "الكافي" (4/ 186): [واللغو نوعان: أحدهما: أن تجري اليمين على لسانه من غير قصد إليها؛ لما روت عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يعني اللغو في اليمين هو كلام الرجل في بيته: لا والله، وبلى والله» رواه البخاري وأبو داود، وقال القاضي: هو أن يريد أن يقول: والله، فيجري على لسانه: لا والله، أو عكس ذلك] اه.

حكم يمين اللغو


قد ذهب الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة في ظاهر المذهب: إلى أنه لا كفارة في يمين اللغو؛ لقوله تعالى: ﴿لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان﴾ [المائدة: 89]، فقد رفع الله تعالى الحرج عن عباده ولم يجعل المؤاخذة في لغو اليمين، وإنما جعلها في الأيمان المعقدة أي: المغلظة، ونفي المؤاخذة يستلزم نفي الكفارة.
أما المالكية، والحنابلة في رواية عندهم: فذهبوا إلى أن يمين اللغو إن تعلق بزمن ماض أو حال؛ فلا كفارة فيه، وإن تعلق بزمن مستقبل؛ ففيه الكفارة.

قال العلامة الكاساني في "بدائع الصنائع" (3/ 17): [(وأما) يمين اللغو فلا كفارة فيها بالتوبة ولا بالمال] اه.

وقال الإمام الدردير في "الشرح الكبير" (2/ 129، ط. دار الفكر): [(ولا) كفارة في يمين (لغو)، فهو عطف على غموس أي: لا بغموس، ولا لغو تعلقت بماض أو حال؛ بأن حلف (على ما) أي: على شيء (يعتقده) أي: يجزم به (فظهر) له (نفيه)، فإن تعلقت بالمستقبل كفرت؛ كالغموس] اه.

وقال الشيخ النفراوي المالكي في "الفواكه الدواني" (1/ 412، ط. دار الفكر): [شرط عدم لزوم الكفارة في لغو اليمين يعلقها بالماضي أو الحال لا بالمستقبل] اه.

وقال الإمام الرملي في "نهاية المحتاج" (8/ 179، ط. دار الفكر): [(ومن) (سبق لسانه إلى لفظها) أي: اليمين (بلا قصد)، ك بلى والله، ولا والله في نحو صلة كلام أو غضب (لم تنعقد)؛ لقوله تعالى: ﴿لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم﴾ [البقرة: 225] الآية وعقدتم فيها قصدتم] اه.

وقال العلامة ابن قدامة في "المغني" (9/ 497-498، ط. مكتبة القاهرة): [وفي الجملة: لا كفارة في يمين على ماض؛ لأنها تنقسم ثلاثة أقسام: ما هو صادق فيه؛ فلا كفارة فيه إجماعا، وما تعمد الكذب فيه، فهو يمين الغموس، لا كفارة فيها؛ لأنها أعظم من أن تكون فيها كفارة. وما يظنه حقا، فيتبين بخلافه، فلا كفارة فيه؛ لأنه من لغو اليمين. فأما اليمين على المستقبل، فما عقد عليه قلبه، وقصد اليمين عليه، ثم خالف، فعليه الكفارة، وما لم يعقد عليه قلبه، ولم يقصد اليمين عليه، وإنما جرت على لسانه، فهو من لغو اليمين] اه.

وقال العلامة المرداوي في "لإنصاف" (11/ 18، ط. دار إحياء التراث): [(والثاني: لغو اليمين وهو أن يحلف على شيء يظنه فيبين بخلافه؛ فلا كفارة فيها)، هذا المذهب، وعليه الأصحاب، وجزم به في "الوجيز" وغيره، وقدمه في "الفروع" وغيره. وعنه: فيه الكفارة، وليس من لغو اليمين] اه.

 

تابع موقع تحيا مصر علي