عاجل
الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

بعد تدمير محطات المياه.. تفشي أمراض عصبية نادرة تهدد حياة أطفال غزة

تحيا مصر

في ظل استمرار الحرب على قطاع غزة، تتفاقم الأزمة الإنسانية الصحية إلى مستويات كارثية غير مسبوقة، حيث أدى تدمير البنية التحتية للمياه والصرف الصحي إلى ظهور أمراض نادرة وقاتلة لم تكن معهودة من قبل في القطاع.

ووفقاً لتقارير صحفية ودولية، أصبحت المياه الملوثة تنقل أمراضاً مميتة تهدد حياة الآلاف، خاصة الأطفال، في مشهد يوصف بأنه "أحد أكثر الحوادث الطبية تحدياً" منذ عام 2023.

تفشي الأمراض النادرة

كشف تقرير جديد عن ظهور مرض الشلل الرخو الحاد (AFP) في قطاع غزة، حيث سجلت الأشهر الثلاثة الماضية ارتفاعاً غير مسبوق في الحالات وصل إلى 110 إصابات، مقارنة بحالة أو حالتين سنوياً في السنوات السابقة، وهو مرض يسبب ضعفاً عضلياً وشللاً سريعاً، وينتج عن مهاجمة الجهاز المناعي للجهاز العصبي بسبب فيروسات معوية تنتشر عبر المياه الملوثة.

وترتبط معظم حالات الشلل الرخو الحاد بمتلازمة جيلان باريه (GBS)، وهي حالة مناعة ذاتية نادرة يمكن أن تسبب شللاً مدى الحياة أو فشلاً تنفسياً يؤدي إلى الوفاة. 

ووفقاً لوزارة الصحة في غزة، فإن 36% من حالات المتلازمة المبلغ عنها كانت بين الأطفال دون سن 15 عاماً، وتوفي ما لا يقل عن 9 أشخاص بسبب المرض حتى الآن في مستشفى ناصر ومستشفى الشفاء، وهما بؤرتان رئيسيتان لتفشي المرض.

أسباب الكارثة الصحية

يعزو الخبراء الطبيون ومنظمة الصحة العالمية تفشي هذه الأمراض إلى تدمير محطات معالجة المياه الحيوية في غزة، مما أدى إلى تلوث مياه الشرب بمياه الصرف الصحي بشكل كامل، فيما وأظهرت نتائج التحاليل المخبرية أن "المياه التي يتلقاها المرضى ملوثة تماماً بمياه الصرف الصحي" نتيجة "تدمير نظام الصرف الصحي".

ووفقاً لمنظمة أوكسفام للإغاثة، دمرت إسرائيل 70% من جميع مضخات الصرف الصحي، و100% من محطات معالجة مياه الصرف الصحي في غزة، كما قامت بتقييد دخول معدات فحص المياه 1. وأكدت منظمة أطباء بلا حدود أن إسرائيل "تحرم سكان غزة عمداً من المياه"، حيث وافقت منذ يونيو 2024 على طلب واحد فقط من كل 10 طلبات استيراد لمواد تحلية المياه.

أبعاد الأزمة الإنسانية

لا تقتصر الكارثة الصحية على أمراض الشلل النادرة، بل تمتد إلى انتشار واسع لأمراض أخرى مرتبطة بتلوث المياه، ووفقاً لتقديرات الأمم المتحدة، بلغ عدد حالات التهاب الكبد الوبائي (أ) في غزة نحو 40 ألف حالة منذ بدء الحرب، مقارنة بنحو 85 حالة فقط في الفترة من أكتوبر 2022 إلى يوليو 2023 15. بالإضافة إلى ذلك، سجلت أكثر من مليون حالة إصابة جديدة بالالتهاب التنفسي الحاد، ونصف مليون حالة إسهال حاد، وأكثر من 100 ألف حالة يرقان 15.

كما انتشرت الأمراض الجلدية بشكل كبير، حيث سجلت منظمة الصحة العالمية نحو 65 ألف حالة طفح جلدي وأكثر من 103 آلاف حالة من الجرب والقمل في الفترة من أكتوبر إلى أواخر يونيو 2024 15. وتشير التقارير إلى أن هذه الأمراض تنتشر بسبب الاكتظاظ في الملاجئ، وسوء التغذية، وصعوبة الحصول على الرعاية الصحية، وتدمير المرافق الطبية.

نقص حاد في العلاجات

تواجه المستشفيات في غزة نقصاً حاداً في العلاجات الحرجة والمنقذة للحياة. علاج الغلوبولين المناعي الوريدي (IVIG)، وهو علاج باهظ الثمن لمتلازمة غيلان باريه يمنع فشل الجهاز التنفسي، غير متوفر في غزة. كما أن تبادل البلازما، وهو إجراء تتم فيه تصفية الدم، غير متوفر أيضاً 1. وقال الدكتور أحمد الفرا، رئيس قسم الأطفال في مستشفى ناصر بخان يونس: "إن الشلل الرخو الحاد يتطلب وقتاً طويلاً للتعافي مع علاج صعب".

جهود دولية وعوائق

تواجه المنظمات الدولية عوائق كبيرة في تقديم المساعدة، وقال متحدث باسم منظمة الصحة العالمية إن الزيادة الأخيرة في عدد الحالات ترجع جزئياً إلى تحسين عمليات الرصد، لكن العوامل الرئيسية تفاقم الأزمة تتمثل في تدمير البنية التحتية للمياه والاكتظاظ وسوء التغذية.

ورداً على الاتهامات، قال متحدث باسم الجيش الإسرائيلي: "لا يسعى الجيش إلى الإضرار بالبنية التحتية المدنية، ويضرب الأهداف العسكرية فقط، وفقاً للقانون الدولي". وأضاف أن الجيش "يعمل على ضمان إمدادات المياه الإنسانية في غزة"، زاعماً أن "ملايين اللترات توفر يومياً عبر خطوط المياه الإسرائيلية إلى جانب شبكة المياه المحلية".

يعيش قطاع غزة واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخه، حيث تتداخل المجاعة القاسية مع حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل منذ أكتوبر 2023. 

وأدت الحرب إلى تدمير نحو 87 ألف وحدة سكنية وتضرر حوالي 294 ألف وحدة سكنية أخرى 10. واضطر مئات الآلاف من السكان للنزوح إلى مناطق مكتظة تفتقر إلى أدنى مقومات الحياة الأساسية، مثل مياه الشرب النظيفة والصرف الصحي والغذاء الكافي.

ووفقاً لتقديرات، فإن جميع محطات تحلية المياه في قطاع غزة و88% من آبار المياه دمرت أو تضررت جراء الحرب، ما أدى إلى انخفاض كمية المياه المتاحة بنسبة 94% منذ بدء الحرب، إلى أقل من 5 لترات يومياً للفرد مقابل نحو 15 لتراً على الأقل يومياً في حالات الطوارئ.

تابع موقع تحيا مصر علي