عاجل
الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

مدينة السويس تحفظ ذاكرتها..انطلاق معرض السويس الثالث للكتاب|تفاصيل

معرض السويس للكتاب
معرض السويس للكتاب

لم تكن مجرد ندوة "كيف نصون التراث الثقافي" التي أقيمت في معرض السويس الثالث للكتاب مجرد نقاش أكاديمي عابر، بل كانت أشبه بصرخة حب ووفاء لمدينة اعتادت أن تقف شامخة كلما حاولت العواصف أن تقتلع جذورها.

فالسويس ليست مجرد ميناء على ضفاف القناة، بل كتاب مفتوح من الحكايات، صفحاته مباني عتيقة تنبض بالحياة، وأزقة تروي قصص مقاومة، وأغنيات تنبع من وجدان الناس لتصير أيقونة وطنية.

كما شارك في الندوة الفنان التشكيلي والمهندس محمد كامل، والكاتب والمؤرخ أنور فتح الباب، والدكتور سادات غريب الباحث والكاتب، والأثري والمؤرخ حسام الحريري، فيما تولى إدارة اللقاء القاص إبراهيم طاهر.

أكد القاص إبراهيم طاهر في مستهل الندوة أن الحفاظ على التراث يمثل رسالة سامية لأنه الجسر الذي يصل الماضي بالمستقبل، ويربط الأجيال بجذورهم وهويتهم الأصيلة. وأضاف أن التراث هو ذاكرة الأمة الحية، التي تمنحها الاستمرارية والقدرة على مواجهة دعوات التغريب وقطع الصلة بتاريخنا.

بجانب الذين تحدثوا في الندوة، من باحثين ومؤرخين وفنانين، لم يقدموا محاضرات جافة، بل رسموا لوحة واسعة المدى: من القصور القديمة مثل قصر محمد علي، إلى أصوات السمسمية التي خلدتها فرقة "أولاد الأرض"، ومن بطولات المقاومة الشعبية في مواجهة الاحتلال، إلى أطباق المطبخ السويسي وطقوس البمبوطية على رصيف الميناء.

إنه تراث مادي ومعنوي يلتقي عند نقطة واحدة هوية السويس، فالمدينة التي تفقد تراثها، تفقد روحها، والذاكرة التي تُترك للاندثار لا يمكن استعادتها لهذا جاءت الدعوات إلى ترميم المباني التاريخية، واستثمارها سياحيًا، وتوثيق الفنون الشعبية رقميًا، كي تبقى متاحة للأجيال المقبلة.

السويس في النهاية ليست تاريخًا منقوشًا في الكتب فقط، بل ذاكرة مقاومة حية، وذاكرة شعب لم يرضى يومًا أن ينكسر. ومن هنا كان النداء الذي خرجت به الندوة صون التراث ليس ترفًا ثقافيًا، بل فعل وجود وبقاء.

كما أشار المعرض إلى أن آلة السمسمية تمثل رمزاً لهوية السويس، وقد سجلت عام 2025 في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي باليونسكو، مذكراً بدور فرقة «أولاد الأرض» التي أسسها الكابتن غزالي في إحياء هذا الفن خلال فترة المقاومة وحرب الاستنزاف وحتى أكتوبر 1973.

كما لفت إلى رقصات «البمبوطية» المرتبطة بحياة الميناء والبحارة، وأطباق المطبخ السويسي المميزة مثل «السريديا» و«اللوجز» و«الصرمباء»، فضلاً عن الحكايات الشعبية كسيرة «سيدي عبد الله الغريب»، رمز حماية المدينة.
واقترح فتح الباب إنشاء مكتبة إلكترونية أو موقع رقمي لتوثيق وحفظ هذا التراث، بجانب إطلاق برامج بحثية بين جامعة السويس والمؤسسات الثقافية لدراسة السمسمية والفنون التقليدية.
خرجت الندوة برسالة واضحة مفادها أن تراث السويس، المادي والمعنوي، ليس مجرد ماضي يُحكى، بل حاضر نابض يمد المدينة بهويتها، ويستحق أن يُصان ويستثمر، فالسويس ليست مدينة عادية، بل سيرة وطنية متجددة، وذاكرة مقاومة لا تنطفئ.

تابع موقع تحيا مصر علي