فكرة لا تموت.. «أبو عبيدة» صوت المقاومة في مرمى الغدر
في عملية عسكرية معقدة، حاول الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن الداخلي "الشاباك" اغتيال الناطق الرسمي باسم كتائب القسام أبو عبيدة (حذيفة سمير عبد الله الكحلوت)، في غارة جوية استهدفت مبنى سكني في حي الرمال غرب مدينة غزة. وتأتي هذه العملية في سياق الحملة الإسرائيلية المستمرة ضد قادة حركة حماس منذ بداية الحرب الأخيرة على غزة.
تفاصيل العملية والاستهداف الدقيق
بحسب التقارير الإسرائيلية، تمت العملية بناء على معلومات استخباراتية دقيقة وردت إلى جهاز الشاباك والمخابرات العسكرية "أمان" قبل وقت قصير من التنفيذ.، وجاء الهجوم باستخدام ذخائر دقيقة تحت مراقبة جوية مشددة، حيث استهدف المبنى الذي كان يتواجد فيه أبو عبيدة بالقرب من مخبز محلي في حي الرمال. وأسفر القصف عن مقتل أكثر من 10 أشخاص، بينهم مدنيون، وفقا لتقارير محلية من غزة.
ونفذت العملية من غرفة العمليات الخاصة التابعة لجهاز الشاباك، مما يؤكد الأهمية الاستثنائية التي تمنحها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لهذا الهدف. ووصفت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية "كان" العملية بأنها "ناجحة"، مشيرة إلى أن الجيش الإسرائيلي يواصل جمع التفاصيل النهائية للتأكد من نجاح الاغتيال 16.
أبو عبيدة.. رمز تحول إلى أسطورة
اسمه الحقيقي حذيفة سمير عبد الله الكحلوت، ظهر لأول مرة في المشهد الإعلامي عام 2006، واشتهر بلباسه العسكري الكامل وقناع الكوفية الحمراء الذي يخفي ملامحه، مما منحه هالة من الغموض والرمزية.
حصل أبو عبيدة على درجة الماجستير في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية في غزة عام 2013، وكانت أطروحته بعنوان "الأرض المقدسة بين اليهودية والمسيحية والإسلام"، وبدأ التحضير لدراسة الدكتوراه قبل أن تندلع الحرب الأخيرة.
تحول أبو عبيدة خلال الحرب إلى ظاهرة إعلامية وشعبية، حيث اكتسب شعبية واسعة في العالم العربي بخطاباته الحازمة ونبرته المحسوبة، التي كانت تذاع عبر قناته على تطبيق "تليغرام". وأصبحت ظهوراته نادراً ما تكون علنية، مما زاد من صعوبة تعقبه وتحديد مكانه.
روايات متضاربة وردود فعل متباينة
الرواية الإسرائيلية:
أكدت وسائل الإعلام الإسرائيلية أن العملية استهدفت بشكل متعمد أبو عبيدة، ونقلت عن مسؤول أمني إسرائيلي قوله: "إذا كان أبو عبيدة في البناية المستهدفة، فلا يوجد أي احتمال أنه نجا هذه المرة". كما أشارت التقارير إلى أن هذه المحاولة هي الثالثة لاغتياله منذ بداية الحرب، بعد فشل محاولتين سابقتين.
وتحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن العملية لأول مرة خلال اجتماع الكابينت، قائلاً: "الجيش الإسرائيلي هاجم أبو عبيدة ونحن ننتظر النتائج"، كما نقلت القناة 14 الإسرائيلية عن الأجهزة الأمنية قولها إن "الوضع جيد"، فيما أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي يعتقد أن أبو عبيدة "أصيب بجروح خطيرة".
الرواية الفلسطينية:
كشف مصدر فلسطيني أن المنزل المستهدف كان قد استأجرته عائلة أبو عبيدة قبل عدة أيام فقط، وأن الزوجة والأطفال كانوا متواجدين فيه خلال القصف. وأضاف المصدر أن "كميات كبيرة من الأوراق النقدية تطايرت خلال القصف"، مما أثار تساؤلات حول طبيعة النشاطات التي كانت تجري في الموقع، وبعد القصف، أغلق عناصر من كتائب القسام محيط المنزل المستهدف ومنعوا اقتراب المواطنين لانتشال الجثث.
ولم تصدر حركة حماس بياناً رسمياً يؤكد أو ينفي مقتل أبو عبيدة، لكن أجهزة الأمن الداخلي التابعة للحركة حذرت من نشر الشائعات حول اغتياله، واعتبرت أن ترويج مثل هذه الأخبار يخدم الأغراض الاستخباراتية الإسرائيلية ويهدف إلى دفع كبار المسؤولين إلى سلوكيات معينة تكشف عن أماكنهم.
السياق الاستخباراتي والأهمية الاستراتيجية
تأتي عملية الاغتيال هذه في إطار الاستراتيجية الإسرائيلية التي تعتمد على التجسس والمعلومات الاستخباراتية كأحد أعمدة التفوق الاستراتيجي. فجهاز الشاباك، الذي يعد أحد الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية الثلاثة الرئيسية (إلى جانب أمان والموساد)، يلعب دوراً محورياً في ملاحقة قادة حماس وعناصرها.
وطورت إسرائيل قدراتها في جمع المعلومات من خلال مزج الوسائل التقليدية بالتقنيات الحديثة، بما في ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي لمعالجة الكم الهائل من المعلومات المرئية والإشارات والاستخبارات البشرية الصادرة من غزة، كما لعبت المعلومات التي تحصل عليها من الفلسطينيين الذين تحتجزهم دوراً أساسياً في تحديد الأهداف.
تداعيات محتملة على المسار العسكري والسياسي
يعتبر اغتيال أبو عبيدة، إذا تم تأكيد اغتياله، ضربة معنوية كبيرة لحماس، كونه أحد أبرز الوجوه الإعلامية للمقاومة وأكثرها شعبية، وقد يكون له تأثير على القدرات التنظيمية والمعرفية للحركة، كما قد يضعف من قدرتها على إدارة الحرب الإعلامية المصاحبة للصراع.
من الناحية العسكرية، يأتي هذا الاستهداف في وقت تتجه فيه إسرائيل إلى تصعيد عملياتها في غزة، حيث أعلنت عن استدعاء قوات الاحتياط تمهيداً لعملية عسكرية في مدينة غزة. كما أن تأكيد حماس لمقتل قائدها العسكري محمد السنوار في وقت سابق يشير إلى استمرار الحملة الإسرائيلية ضد القيادات الميدانية للحركة.
سياسياً، من غير المتوقع أن تؤدي هذه العملية إلى تغيير في المعادلات القائمة، حيث لا تزال الفجوة واسعة بين مطالب حماس وإسرائيل فيما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وقد أعرب مسؤولون إسرائيليون عن تشاؤمهم لإمكانية التوصل إلى اتفاق في المدى المنظور.
تطبيق نبض