عاجل
الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

غزة تحترق.. نيران تلتهم البشر والحجر وضحايا تحت الأنقاض وغطاء امريكي لـ"تل أبيب"

تحيا مصر

عاشت مدينة غزة واحدة من أكثر لياليها دموية منذ اندلاع الحرب، بعدما تعرضت لأكثر من ثلاثين غارة جوية خلال دقائق معدودة، في وقت واصلت فيه الدبابات الإسرائيلية تقدمها داخل المدينة وسط دعم سياسي أميركي غير مسبوق.
يتعقد المشهد الميداني ساعة بعد ساعة، مع تزايد أعداد القتلى والجرحى والمفقودين تحت الأنقاض، في حين تخرج مواقف دولية متباينة، بين دعم مطلق لإسرائيل من إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وبين أصوات أوروبية بدأت تتخذ إجراءات عملية ضد تل أبيب، أبرزها إلغاء إسبانيا عقود تسلح بمليارات الدولارات، وهي التطورات التي ترسم صورة حرب مفتوحة على احتمالات شديدة الخطورة، حيث تتداخل الحسابات العسكرية والسياسية والإقليمية في معركة باتت تمثل اختباراً صعباً للنظام الدولي.

القصف يحول غزة إلى أنقاض

تبدو الصورة أكثر مأساوية مما تعكسه البيانات الرسمية، حيث وصف  سكان المدينة الغارات الليلية بأنها الأعنف منذ بداية الحرب، مشيرين إلى تدمير مربعات سكنية كاملة.
قرب ساحة الشوا،  دوى انفجار اهز الأرض بصورة مرعبة، ليدمر  ثلاثة منازل  بالكامل فوق رؤوس ساكنيها، بينما يؤكد الدفاع المدني الفلسطيني  أن أعداد القتلى والمصابين في تزايد مستمر، واصفاً ما يجرى بـ “المجزرة الكبيرة”. وفي ظل استمرار القصف، لم يصدر تعليق فوري من الجيش الإسرائيلي، بينما أشارت تقارير فلسطينية إلى أن عشرات المواطنين ما زالوا محاصرين تحت الركام، في مشهد يعيد إلى الأذهان كوارث إنسانية سابقة عاشها القطاع.

أرقام متصاعدة ودمار واسع

التلفزيون الفلسطيني أفاد بأن الجيش الإسرائيلي نفذ 37 غارة خلال عشرين دقيقة فقط، ركزت على الأحياء الشمالية الغربية وأبراج سكنية كبرى مثل برج الغفري الذي يضم مئات العائلات ومكاتب إعلامية وتجارية. تدمير البرج المكون من عشرين طابقاً شكّل صدمة كبيرة لسكان المدينة، فيما أكدت المصادر الطبية الفلسطينية أن حصيلة الضحايا ارتفعت إلى 62 قتيلاً خلال ساعات قليلة، إضافة إلى مئات الجرحى والمفقودين. في المقابل، تواصل القنوات الإسرائيلية الحديث عن أن العملية تهدف إلى تفكيك البنى التحتية لحماس، وتصف الهجوم بأنه ضروري لتحقيق “الأمن القومي”. ومع تصاعد أعمدة الدخان في سماء غزة، تبدو المدينة غارقة في كارثة إنسانية يصعب تقدير أبعادها.

تصريحات أميركية مشددة وتحذيرات عاجلة

وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو اختار أن يوجه رسائل شديدة اللهجة لحركة حماس خلال زيارته إلى إسرائيل قبل أن يغادرها متوجهاً إلى الدوحة. فقد أكد أن أمام الحركة “مهلة قصيرة جداً” للقبول باتفاق لوقف النار، ملمحاً إلى أن الحديث لم يعد عن أشهر بل عن أيام أو أسابيع قليلة. روبيو أضاف أن الخيار الأول لواشنطن يبقى التوصل إلى تسوية تفاوضية يتم بموجبها نزع سلاح حماس، لكنه لم يخف تشكيكه في إمكانية حدوث ذلك، واصفاً الحركة بأنها “مجموعة من الهمجيين”، وهذه التصريحات جاءت بعد اجتماعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في القدس، حيث أبدى دعمه الكامل للعملية العسكرية البرية والجوية الإسرائيلية، مؤكداً أن الولايات المتحدة ستواصل تقديم الدعم السياسي والعسكري حتى تحقق إسرائيل أهدافها في غزة.

الهجوم البري يتقدم بدعم سياسي

بحسب موقع “أكسيوس” الإخباري، فإن الجيش الإسرائيلي بدأ بالفعل عملية برية للسيطرة على مدينة غزة، بدعم واضح من الإدارة الأميركية. مسؤولون إسرائيليون أكدوا أن روبيو أبلغ نتنياهو بأن واشنطن تؤيد التوغل البري لكنها تشدد على ضرورة تنفيذه بسرعة. مسؤول أميركي آخر أوضح أن الحرب الحالية ليست حرب ترمب، بل حرب نتنياهو، وأن الأخير سيتحمل تبعات ما سيحدث لاحقاً. في المقابل، تشير التقديرات الأمنية الإسرائيلية إلى أن ما يزيد على 300 ألف من سكان غزة غادروا المدينة بالفعل، وهو ما اعتبرته تل أبيب شرطاً أساسياً لبدء المناورة العسكرية داخلها. ومع استمرار الغارات الجوية والمدفعية، يزداد الضغط على المدنيين الذين يجدون أنفسهم محاصرين بين نيران الجيش الإسرائيلي وانهيار البنية التحتية للمدينة.

ضغوط دولية ومواقف أوروبية متشددة

على الصعيد الدولي، جاء الموقف الأبرز من مدريد، حيث أعلنت الحكومة الإسبانية إلغاء عقد ضخم لشراء قاذفات صواريخ إسرائيلية بقيمة 700 مليون يورو، إضافة إلى صفقة أخرى تقدر بـ 287 مليون يورو لشراء قاذفات مضادة للدروع. رئيس الوزراء بيدرو سانشيز وصف ما يجري في غزة بأنه “إبادة جماعية”، وأكد أن بلاده ماضية في تعزيز الحظر على بيع الأسلحة لإسرائيل. هذه الخطوة تمثل أول إجراء عملي ملموس من دولة أوروبية كبرى ضد تل أبيب منذ بدء الحرب، وقد تفتح الباب أمام مواقف مماثلة من دول أخرى. في المقابل، تواصل الولايات المتحدة عبر تصريحات ترمب وروبيو تقديم غطاء سياسي كامل لإسرائيل، ما يفاقم الانقسام الدولي حول كيفية التعامل مع الحرب.

معركة مفتوحة على كل الاحتمالات

غزة أمام مرحلة جديدة أكثر عنفاً وتعقيداً،  فالتصعيد الإسرائيلي غير المسبوق، والدعم الأميركي الواضح، والمواقف الأوروبية الناشئة، كلها عناصر تشكل مشهداً متشابكاً يجعل من الصعب التنبؤ بمسار الحرب. وبينما تصر تل أبيب على استكمال عملياتها العسكرية حتى “القضاء على حماس”، يزداد الثمن الإنساني الذي يدفعه سكان القطاع الذين يعيشون تحت القصف والحصار.

تابع موقع تحيا مصر علي