عاجل
الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

لمنع المنكرات.. طالبان تحظر الإنترنت في أفغانستان ومؤسسات الدولة تحتضر

تحيا مصر

في خطوة مفاجئة أثارت القلق في مختلف أنحاء أفغانستان، أصدر زعيم حركة طالبان، الملا هبة الله أخوند زاده، مرسوماً يقضي بتقييد الوصول إلى الإنترنت عالي السرعة، بما في ذلك حظر خدمة الألياف الضوئية في جميع المدن الأفغانية.
بدأ التنفيذ في مدينة مزار شريف، تهدف وفق تصريحات الحركة إلى "منع المنكرات"، لكنها في الوقت نفسه تهدد بعزل البلاد عن العالم الرقمي، وتعطل أعمالاً تجارية وتؤثر على حياة آلاف المواطنين الذين اعتادوا الاعتماد على الإنترنت لأغراض العمل والتعليم والخدمات الأساسية. 
ويأتي القرار  بعد أيام قليلة من انقطاع الإنترنت عن موظفي بعض المؤسسات الحكومية، ما أثار موجة من المخاوف لدى القطاعات المختلفة.

تعطل المؤسسات الحكومية والخدمات الأساسية

على الرغم من إعلان المتحدث باسم حكومة طالبان في بلخ عن وجود خطة بديلة محلية لتوفير الإنترنت، إلا أن العاملين في شركات الاتصالات يشيرون إلى أن تنفيذ هذه الخطة يحتاج إلى وقت طويل وتكاليف باهظة، مما يجعل تفعيلها في المستقبل القريب أمراً غير مرجح.
و منذ بداية تنفيذ القرار في مزار شريف، توقفت العديد من المعاملات الحكومية التي بدأت في السنوات الأخيرة تعتمد على الرقمنة، بما في ذلك خدمات الجوازات والسجل المدني والجمارك والموانئ والمصارف الحكومية والخاصة، 
توقف الإنترنت أثر بشكل مباشر أيضا على وسائل الإعلام وبعض المؤسسات التعليمية، ما جعل الموظفين والطلاب يعيشون حالة من الارتباك والقلق. بينما شركات صغيرة وكبيرة استثمرت ملايين الدولارات خلال العقد الأخير في تطوير شبكات الألياف الضوئية، لكن هذه الاستثمارات باتت مهددة الآن بالضياع بسبب القرار الأخير، ما يضع قطاع الاتصالات أمام أزمة كبيرة.

خطة بديلة تحت المجهر

أوضح مسؤول في إحدى شركات تقديم خدمات الإنترنت بمزار شريف أن عشرات الشركات التي استثمرت في هذا القطاع تواجه اليوم تحدياً غير مسبوق،  فالعملاء من شركات تجارية ومؤسسات تعليمية وأفراد كانوا يعتمدون على الإنترنت عالي السرعة باتوا يتواصلون بشكل متواصل مع مقدمي الخدمة مطالبين بإعادة تشغيل الشبكة.
وعلى الرغم من وعود الحركة بتوفير بديل داخلي، فإن خبراء الاتصالات يؤكدون أن بناء شبكة محلية تلبي احتياجات المستخدمين سيستغرق شهوراً وربما سنوات، مع تكاليف تشغيل وصيانة مرتفعة للغاية، ما يطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة على الاستمرار في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، ويعكس فجوة كبيرة بين التوجهات الدينية للحركة ومتطلبات الحياة اليومية الحديثة.

تاريخ القرار وأبعاده الاجتماعية

قرار حظر الإنترنت يشبه إلى حد كبير القرار السابق بحظر نشر صور الكائنات الحية، الذي أصدر ضمن قانون "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" في أغسطس 2024. وعلى الرغم من تطبيقه في نحو 20 ولاية، إلا أن الكثير من وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في كابول لا تزال تعرض هذه الصور، بينما استمر بعض مسؤولي الحركة في نشر صور الاجتماعات الرسمية.
وفي حالة الإنترنت، يرى الصحفي الأفغاني بلال سروري أن القرار سيكون أكثر تأثيراً وتدميراً، إذ إن الإنترنت لم يعد مجرد وسيلة للتواصل، بل أصبح أساسياً لأعمال التجارة والتعليم والعمل عن بُعد، خصوصاً بالنسبة للنساء والفتيات اللواتي يعتمدن على التعليم الرقمي والهاتف المحمول للتغلب على القيود المفروضة عليهن.

انعكاسات اقتصادية وقيود على التعليم والعمل

تأثر قطاع الأعمال بشكل مباشر، حيث توقفت المعاملات الإلكترونية لدى المصارف والمؤسسات التجارية، كما تضررت شركات الخدمات اللوجستية ومكاتب الطباعة والإعلانات والتعليمية التي تعتمد على الشبكة لتقديم محتواها. وبالنسبة للطلاب، يعد فقدان الإنترنت عائقاً أمام الدراسة عن بُعد، خصوصاً بعد أن منعت الحركة النساء من الحضور إلى المدارس والجامعات، مما يجعل الإنترنت أداة حيوية للوصول إلى المعرفة. هذا القرار قد يزيد من معدلات البطالة ويحد من فرص التنمية الاقتصادية المحلية، ما يعكس التحديات الكبيرة التي تواجهها أفغانستان في تحقيق التوازن بين التوجهات الدينية والتطور الرقمي المتسارع.

نزاع داخلي حول التنفيذ

على الرغم من صدور المرسوم، لم يتفق كبار قادة الحركة في كابول على آلية تنفيذ القرار، ما أدى إلى تطبيقه بشكل محدود في ولاية بلخ تحت إشراف والي طالبان يوسف وفا، المقرب من زعيم الحركة، زهذا الانقسام يعكس تبايناً داخلياً بين جناح قندهار الذي يدعم القرار ووزارة الاتصالات والتكنولوجيا التي لم توافق بعد على التوجيه، ما يطرح تساؤلات حول قدرة الحكومة على فرض سيطرتها على كامل البلاد، ويزيد من حالة الارتباك لدى الشركات والمواطنين الذين يجدون أنفسهم في وضع غير مستقر بين قرارات مركزية وتنفيذ محلي متفاوت.

خطر على حياة النساء والفتيات

كما يشكل القرار تهديداً مباشراً للنساء اللواتي لجأن إلى الإنترنت للتعليم والعمل منذ فرض القيود على التعليم التقليدي. ففقدان الإنترنت عالي السرعة قد يعيد الفتيات إلى عوائق كبيرة في التعلم ويحد من قدرتهن على تطوير مهاراتهن والوصول إلى فرص العمل، ما يزيد من تهميشهن ويضعهن في مواجهة صعوبات اقتصادية واجتماعية جديدة، و في الوقت نفسه، تشير المصادر إلى أن الحركة لم تقدم أي خطة واضحة لتعويض هذا الضرر، ما يجعل المستقبل الرقمي لأفغانستان محفوفاً بالمخاطر، خصوصاً في ظل اعتماد القطاعات الحيوية على الشبكات الرقمية.
 

تابع موقع تحيا مصر علي