عاجل
الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

الرئيس الأمريكي يربك الحوامل ويخرج شركات الأدوية..  القصة الكاملة لمعركة ترامب مع الباراسيتامول

تحيا مصر

أثار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جدلاً واسعاً حين تحدث عن مخاطر استخدام المسكنات خلال الحمل، وفي مقدمتها الباراسيتامول، مطالباً بفتح ملفات شركات الأدوية التي وصفها بأنها تخفي حقائق خطيرة عن النساء والأجنة. 
هذا التصريح الذي جاء في سياق انتقاداته المتكررة لشركات الدواء ومؤسسات الصحة الأمريكية، وضع واحداً من أكثر العقاقير شيوعاً في العالم تحت الأضواء مجدداً. فالبـاراسيتامول، الذي يُستخدم يومياً لتخفيف الألم وخفض الحمى، لم يعد مجرد دواء منزلي مألوف، بل تحوّل إلى محور نقاش يجمع بين البحث العلمي والجدل السياسي، ويثير أسئلة حول سلامته وحدود فعاليته، خصوصاً في ظل انتشار استخدامه بين النساء الحوامل حول العالم.

آلية غامضة رغم الاستخدام الواسع

لطالما قيل إن الباراسيتامول يعمل من خلال تثبيط إنزيم "السيكلوأوكسيجيناز" (COX)، المسؤول عن إنتاج البروستاغلاندينات، وهي مواد تلعب دوراً رئيسياً في الألم وتنظيم حرارة الجسم. لكن أبحاثاً حديثة أوضحت أن الأمر ليس بهذه البساطة، إذ يتحول الدواء داخل الجسم إلى مركب يسمى AM404، يعتقد أنه يؤثر في مسارات عصبية متعددة ترتبط بالشعور بالألم. هذا الغموض جعل كثيراً من العلماء يتساءلون كيف يمكن لدواء يُستخدم منذ أكثر من نصف قرن أن يبقى غير مفهوم تماماً في آلية عمله، وهو تساؤل استثمره ترامب في هجومه على الشركات، معتبراً أن غياب الشفافية العلمية يثير الريبة في دوافعها.

الجرعة وحدود الأمان

رغم الجدل، يظل الباراسيتامول آمناً إذا استُخدم ضمن الحدود الموصى بها. فبحسب هيئة الخدمات الصحية البريطانية، يمكن تناول قرص أو قرصين بتركيز 500 ملغ حتى أربع مرات يومياً، على ألا يتجاوز المجموع ثمانية أقراص في 24 ساعة. تجاوز هذه الجرعة يشكل خطراً كبيراً على الكبد، لأن نحو 5% من العقار يتحول إلى مادة سامة تعرف بـ NAPQI. وتشير بيانات إدارة الغذاء والدواء الأمريكية إلى أن الجرعات الزائدة كانت السبب الأول للفشل الكبدي الحاد في الولايات المتحدة بين عامي 1998 و2003. هذه الحقائق دفعت سياسيين مثل ترامب إلى اتهام المنظومة الطبية بالتقصير في تحذير الجمهور من مخاطر الجرعات المرتفعة.

600 اسم دوائي وخطر التسمم العرضي

لا تكمن الخطورة فقط في تجاوز الجرعة عمداً، بل أيضاً في تعدد المستحضرات التي تحتوي على الباراسيتامول. إذ يدخل في أكثر من 600 دواء مختلف، ما يجعل المريض عرضة لتناول كميات كبيرة دون قصد. وتشير الإحصاءات إلى أن نصف حالات التسمم المسجلة كانت نتيجة هذا الخلط غير المقصود. في هذه النقطة تحديداً، صعّد ترامب هجومه معتبراً أن شركات الدواء تستغل تعدد الأسماء التجارية لزيادة أرباحها على حساب وعي المستهلك، وهو ما أثار جدلاً سياسياً واسعاً داخل الولايات المتحدة.

الأطفال والحمل... الفئة الأكثر حساسية

يحذر الأطباء من أن الأطفال والنساء الحوامل يمثلون الفئة الأكثر عرضة لمخاطر الباراسيتامول عند إساءة استخدامه. فالأطفال بسبب صغر حجم الكبد يحتاجون إلى جرعات دقيقة للغاية، وأي خطأ في التقدير قد يؤدي إلى مضاعفات خطيرة. أما في ما يخص الحمل، فقد أظهرت بعض الدراسات إشارات مثيرة للقلق حول الاستخدام المفرط للباراسيتامول وإمكانية ارتباطه ببعض التأثيرات على نمو الجنين، رغم أن الأدلة العلمية لم تُحسم بعد، وبينما  تصريحات ترامب عن هذه المخاطر عززت الجدل الإعلامي، لكنها في الوقت نفسه دفعت مؤسسات الصحة إلى إعادة التأكيد على أن الدواء يظل آمناً إذا استخدم بالجرعات الموصى بها وتحت إشراف طبي.

فعالية محدودة في بعض الحالات

رغم انتشاره، فإن الباراسيتامول ليس فعالاً في جميع أنواع الألم. فبحسب مراجعات معهد "كوكران" البريطاني، يحقق نتائج جيدة في حالات مثل الصداع النصفي الحاد وتخفيف الألم بعد الولادة أو الجراحة. لكنه يقدم فائدة محدودة في التهاب مفصل الركبة، فيما تظهر الدراسات أنه لا يتجاوز العلاج الوهمي في حالات آلام أسفل الظهر أو الألم الجسدي المصاحب للسرطان. هذه الفوارق بين الحالات العلاجية توضح أن الدواء ليس حلاً شاملاً، بل مجرد خطوة أولى في تسلسل علاجي قد يتطلب بدائل أقوى إذا لم تُجدِ نتائجه.

دواء يومي في قلب مواجهة عالمية

الباراسيتامول يجسد مفارقة فريدة: دواء بسيط ورخيص وموجود في كل بيت تقريباً، لكنه في الوقت نفسه يثير نقاشات معقدة حول سلامته وآلية عمله وحدود فعاليته. وبينما يراه الأطباء خياراً أولياً آمناً إذا استُخدم ضمن الإرشادات، فإن السجال حوله يكشف عن حجم التداخل بين الطب والسياسة،  تصريحات ترامب حول تأثير المسكنات على الحمل لم تكن مجرد جملة عابرة، بل نافذة أطلقت نقاشاً واسعاً يربط بين صحة الإنسان ومصالح الشركات وسجالات السياسة، وهكذا يتحول مسكن شعبي إلى رمز لصراع أكبر بين الثقة الشعبية والبحث العلمي والسلطة الاقتصادية.

 

تابع موقع تحيا مصر علي