عاجل
السبت 06 ديسمبر 2025 الموافق 15 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

عروس بقلب مفطور وعرس تحوّل إلى مأتم.. حين خطف الموت عريس أسوان من بين أضواء الفرح

تحيا مصر

عريس أسوان.. في ليلة كان يُفترض أن تكون بداية لحياة جديدة، لم تكن تدري العروس أن النهاية ستكون قبل البداية، وأن زفافها لن يُكتب له أن يكتمل كانت ترتدي فستانها الأبيض، تتنفس الفرح بعيون حُلم، لكنها لم تعلم أن الموت كان يُجهّز نفسه للحضور ضيفًا ثقيلًا على قاعة الزفاف، ليخطف منها شريك العمر في لحظة لن تُمحى من الذاكرة.

سقوط العريس

في محافظة أسوان، وتحديدًا في إحدى القرى الهادئة القريبة من مدينة كوم أمبو، استعد الجميع لليلة من ليالي العمر، الأضواء زُيّنت، الأغاني الشعبية ارتفعت، قاعة الفرح ازدانت بالورود والأنوار، والضيوف بدأوا يتوافدون حاملين الهدايا، والتهاني، والابتسامات. وفي قلب هذا المشهد، كان العريس "أشرف"، شاب طموح محبوب بين أهله وأصدقائه، لا تفارقه الابتسامة، كأنما يحتضن الحياة بكل ما فيها من أمل.

لكن القدر، بسلطانه الذي لا يُردّ، كان قد كتب نهاية مختلفة. ففي اللحظة التي كان يستعد فيها للصعود إلى منصة الفرح، سقط العريس مغشيًا عليه أمام أعين الجميع. الوجوه تحوّلت من الفرح إلى الذهول، من الزغاريد إلى الصراخ. اقترب منه البعض، حملوه، نادوه، رجوه أن يستفيق، لكن القلب الذي كان ينبض شوقًا للحياة توقف دون سابق إنذار. أعلن الأطباء وفاته بسكتة قلبية مفاجئة. لم تُعطه الحياة فرصة الوداع.
 

لا يتوفر وصف.

 

ربما لا توجد كلمات في اللغة تعبّر عن مشاعر العروس في تلك اللحظة فتاة كانت تحلم منذ صغرها بيوم كهذا، ليلة ترتدي فيها الأبيض، تحتفل وسط الأهل والأصدقاء، تضحك من القلب، وترقص على أنغام البهجة، لكنها وجدت نفسها فجأة تُخبر بأن شريكها قد رحل، انطفأت الزينة في عينيها، وسقطت من يدها الورود التي كانت تمسك بها، وتحولت القاعة من حفل زفاف إلى مجلس عزاء.

العروس لم تنطق، لم تبكِ في اللحظة الأولى، لم تصرخ فقط جلست على الأرض، تنظر أمامها بصمت طويل، ثم انفجرت دموعها في انهيار كامل، مشهد لا يُنسى، ولن يُمحى من ذاكرة كل من حضر. لم تكن تبكي رجلًا فقط، بل حلمًا كاملاً، مستقبلًا، حياةً كانت تظن أنها تبدأ، فإذا بها تنتهي قبل أن تبدأ.

المجتمع الذي بكى العريس

أسوان، بطبيعتها الهادئة ومجتمعها المتماسك، لم تعرف منذ زمن طويل مأساة بهذا الشكل. كيف لشاب في مقتبل العمر، كان يوزع الدعوات قبل أيام، أن يُحمل إلى مثواه الأخير في يوم زفافه؟ الجميع شارك في الجنازة، والكل كان يبكي وكأنه فقد أحد أبنائه. لم يكن "أشرف" مجرد شاب عادي، بل كان محبًا للناس، يساعد كل من حوله، يُعرف بأخلاقه العالية وابتسامته التي لا تفارقه.

الأحاديث لم تتوقف. البعض يقول إنه كان مرهقًا من ضغط التحضيرات، والبعض يتحدث عن مشاكل صحية لم يُفصح عنها. لكن الحقيقة الوحيدة المؤكدة أن القدر سبق الجميع، وأن لحظة الفرح تحولت إلى ذكرى أليمة ستظل محفورة في قلوب الجميع.

بين الزغاريد والدموع: لحظة التبدّل القاتلة

ما يجعل الحادثة أكثر قسوة، هو التحوّل السريع من الفرح إلى الحزن. الضيوف الذين أتوا للاحتفال، وجدوا أنفسهم يخلعون العباءات الملونة، ويستبدلون الزغاريد بالبكاء. الموسيقى توقفت، والأنوار أُطفئت، والقاعة امتلأت بالمآتم. لم يعد أحد قادرًا على الكلام. العريس الذي كانوا ينتظرون ظهوره بابتسامة، خرج محمولًا على الأكتاف، ملفوفًا بكفن أبيض بدلاً من بدلة الزفاف.

في مثل هذه اللحظات، لا يجد الإنسان تفسيرًا. يُصاب الجميع بحالة من الذهول، كما لو أن الحياة توقفت فجأة، وتوقفت معها القلوب عن الفرح.

قلب العروس… والحياة بعد الحُلم المفقود

ربما كان أقسى ما في المشهد كله، هو نظرات العروس. ذلك الصمت الذي تكلّم أكثر من أي صراخ، تلك النظرة الممتلئة بالخذلان والذهول، وكأن الزمن توقّف لديها. فقدت الحبيب والزوج والمستقبل، في لحظة واحدة، أمام عينيها، دون أن تقول له كلمة الوداع.

الناس حولها، لكن لا أحد يستطيع أن يُعطيها إجابة، أو يُلملم جرحها. الجميع يواسي، لكن المواساة لا تُرمم هذا الانكسار. هل ستنسى؟ ربما لا. هل ستتجاوز؟ ربما مع الوقت. لكنها لن تعود كما كانت أبدًا.

الزفاف الذي سيُروى كقصة ألم

هذه الحكاية لن تُنسى سيتناقلها الناس في أسوان، وفي مصر كلها، ستُروى للأجيال القادمة كأحد أقسى المشاهد: زفاف لم يكتمل، وقاعة فرح أصبحت مسرحًا للوداع الأخير. سيُقال إن العريس مات في أجمل يوم كان من المفترض أن يبدأ فيه حياته، وسيُقال إن العروس وقفت في فستانها الأبيض تبكي الموت بدلًا من أن تستقبل الحياة.

ربما العزاء الوحيد، أن هذا الشاب رحل محبوبًا، رحل وسط من أحبهم ومن أحبوه، رحل في لحظة كان فيها قلبه عامرًا بالفرح، وإن لم يكتمل. وربما يكون العزاء الأكبر، أن رسالته باقية، أن اسمه سيظل في ذاكرة كل من عرفوه، ليس كعريس لم يكتمل زفافه، بل كإنسان أحب الحياة، وترك أثرًا طيبًا، حتى وهو يرحل في اللحظة الأكثر ألمًا.

تابع موقع تحيا مصر علي