عاجل
الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

تحالف القاهرة وأبوظبي.. وساطة مصرية وضغط إماراتي لوقف التصعيد في غزة

تحيا مصر

استقبل الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الإثنين، في قصر الاتحادية، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، في زيارة أخوية، تحمل بين طياتها أبعاداً استراتيجية تتجاوز الطابع البروتوكولي. 

تأتي تأتي في توقيت دقيق تشهد فيه المنطقة توترات متصاعدة، خاصة مع استمرار الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، إلى جانب ملفات إقليمية متشابكة في السودان ولبنان وسوريا، فيما عكس الاستقبال الرسمي والمباحثات الواسعة التي جرت بين الجانبين حرص القاهرة وأبوظبي على تعزيز التنسيق السياسي والاقتصادي لمواجهة التحديات المشتركة.

لقاء موسع واجتماعات ثنائية مغلقة

أفاد السفير محمد الشناوي، المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، أن جدول الزيارة بدأ بلقاء موسع ضم وفدي البلدين، أعقبه اجتماع ثنائي مغلق بين الرئيسين، ثم مأدبة غداء عمل أقيمت تكريماً للضيف الإماراتي والوفد المرافق. 

وعكس اللقاءات أجواء ودية، لكنها تطرقت إلى ملفات بالغة الحساسية على الساحة الإقليمية، حيث وأوضح الشناوي أن الرئيسين شددا على أهمية استمرار التشاور والتنسيق في مختلف القضايا، مع التركيز على التعاون الاقتصادي الذي يشهد طفرة غير مسبوقة، حيث تسعى مصر إلى توفير بيئة جاذبة للاستثمارات الإماراتية، فيما عبّر الشيخ محمد بن زايد عن تقديره للتطور في مناخ الاستثمار المصري.

مبادرة ترامب لوقف الحرب في غزة

من أبرز محاور النقاش خلال الزيارة ما يتعلق بقطاع غزة، حيث رحّب الزعيمان بالمبادرة التي طرحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب. المبادرة، التي توصف في الإعلام بـ"الخطة المعدلة"، تتألف من 21 بنداً، تشمل وقفاً لإطلاق النار، وضمان تدفق المساعدات الإنسانية، وإعادة إعمار القطاع تحت إشراف دولي، مع ترتيبات أمنية تضمن عدم تجدد الصراع. كما تتضمن نقاطاً مثيرة للجدل حول مستقبل الحكم الفلسطيني والترتيبات الأمنية على الحدود. ورغم الضبابية التي تحيط بالمبادرة، فإن موقف القاهرة وأبوظبي جاء داعماً لها باعتبارها خطوة يمكن البناء عليها لتهيئة مسار سلام أوسع.

مخاوف من التصعيد الإقليمي وتداعياته

ناقش الجانبان القلق المتزايد من استمرار العمليات العسكرية في غزة وما قد تتركه من تداعيات مباشرة على الاستقرار الإقليمي، لا سيما في مصر المجاورة للقطاع. القاهرة كانت واضحة في اعتبار أي محاولة لتهجير سكان غزة أو إعادة رسم حدود القطاع "خطاً أحمر"، بينما أكدت الإمارات عبر قنوات دبلوماسية رفضها فرض واقع جديد على الأرض الفلسطينية، كما برز في النقاش البعد الإنساني، إذ شدد الرئيسان على ضرورة الإسراع في إدخال المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة. ويمثل هذا التوافق بين العاصمتين ركيزة في الموقف العربي الساعي إلى منع اتساع رقعة الحرب.

دور الوساطة المصرية والضغط الإماراتي

أعاد اللقاء التأكيد على تكامل الأدوار بين مصر والإمارات في الملف الفلسطيني. فالقاهرة تضطلع بدور محوري في الوساطة المباشرة مع الفصائل الفلسطينية وإسرائيل، عبر اتصالات ووساطات متكررة، فيما توظف أبوظبي علاقاتها الدولية الواسعة وقنوات اتصالها مع تل أبيب للضغط من أجل التهدئة، ما يعكس إدراك البلدين لأهمية التنسيق، حيث أن نجاح أي مبادرة لوقف الحرب يتطلب جهداً عربياً مشتركاً، يجمع بين العمل الميداني والسياسي والدبلوماسي،  وهو ما يجعل الزيارة رسالة واضحة بأن القاهرة وأبوظبي تتحركان بخطى متقاربة في مواجهة الأزمة.

ملفات إقليمية على الطاولة

لم يقتصر النقاش على غزة، إذ حملت الزيارة أبعاداً تتعلق بملفات إقليمية أخرى. الملف السوداني كان حاضراً بقوة، في ظل استمرار القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع، وما يثيره من مخاطر إنسانية وأمنية في دول الجوار. 

كما طُرحت تطورات المشهد السوري واللبناني، مع تصاعد التوتر بين "حزب الله" وإسرائيل واستمرار الغارات في سوريا، ما يعزز مخاوف الانزلاق إلى مواجهة إقليمية واسعة، لتلتقي رؤية القاهرة وأبوظبي حول ضرورة تجنيب المنطقة سيناريوهات الحرب الشاملة، والبحث عن حلول سياسية تحفظ استقرار الدول العربية وتمنع انهيار مؤسساتها.

شراكة اقتصادية متنامية

على الصعيد الاقتصادي، شكّلت الاستثمارات الإماراتية في مصر محوراً رئيسياً في المحادثات، حيث تعد الإمارات اليوم من أكبر المستثمرين في السوق المصرية، إذ أعلن صندوق أبوظبي السيادي العام الماضي عن خطة لضخ نحو 35 مليار دولار استثمارات مباشرة، من بينها أكثر من 22 ملياراً لتطوير مشروع مدينة "رأس الحكمة" على الساحل الشمالي، وهو المشروع يالذي ُتوقع أن يحول المنطقة إلى وجهة استثمارية عالمية في السياحة والعقارات، فيما أكد  الرئيس السيسي حرص الدولة المصرية على تذليل العقبات أمام الاستثمارات الإماراتية، فيما أشاد الشيخ محمد بن زايد بالجهود المبذولة لتحسين بيئة الأعمال في مصر.

العلاقات المصرية الإماراتية.. تاريخ من التعاون

تعود جذور العلاقات المصرية الإماراتية إلى عقود، لكنها شهدت زخماً متزايداً خلال العقد الأخير مع تعدد الزيارات المتبادلة بين الرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد، ففي أغسطس الماضي، زار رئيس دولة الإمارات مدينة العلمين الجديدة شمال مصر حيث التقى السيسي، فيما تُعد زيارة القاهرة الحالية امتداداً لهذا التواصل المستمر.

ولا تقتصر العلاقة بين البلدين على الاقتصاد، بل تشمل التعاون في ملفات الأمن والطاقة والنقل والثقافة. ويرى مراقبون أن ما يميز هذه العلاقة هو التقاء الرؤى حول قضايا إقليمية كبرى، إلى جانب الدعم المتبادل في مواجهة التحديات.

رسالة دعم وتنسيق استراتيجي

حملت زيارة الشيخ محمد بن زايد إلى القاهرة رسالة دعم سياسي وشخصي للرئيس المصري، في وقت تتعرض فيه القاهرة لضغوط إقليمية ودولية بسبب دورها المركزي في القضية الفلسطينية، كما تؤكد الزيارة أن التنسيق المصري الإماراتي لا ينحصر في نطاق ثنائي، بل يمتد ليشمل ملفات إقليمية معقدة.

 ومع تصاعد أزمات المنطقة، تبرز أهمية هذا التنسيق كعنصر استقرار ودعامة رئيسية للدبلوماسية العربية. وبقدر ما تعكس الزيارة عمق العلاقات بين القاهرة وأبوظبي، فإنها ترسم ملامح دور متزايد لدول الاعتدال العربي في رسم مسارات الحرب والسلام في الشرق الأوسط.

تابع موقع تحيا مصر علي