عاجل
الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

بعد الأمر التنفيذي لترامب.. التحالف القطري الأمريكي من الشراكة إلى الالتزام الصريح بالحماية

تحيا مصر

في خطوة هي الأكثر حسماً منذ الحرب على غزة، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً تاريخياً يعتبر أي اعتداء مسلح على دولة قطر تهديداً مباشراً لأمن وسلامة الولايات المتحدة الأمريكية. هذا التطور الاستثنائي، ويأتي في أعقاب هجوم إسرائيلي مثير للجدل استهدف العاصمة القطرية الدوحة، مما أثار عاصفة دبلوماسية هددت بزعزعة التحالفات الإستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. 

يمثل الأمر التنفيذي الذي أصدره البيت الأبيض تحولاً نوعياً في طبيعة الالتزامات الأمريكية تجاه حلفائها الخليجيين، حيث ينص صراحة على أن الولايات المتحدة ستتخذ جميع الإجراءات القانونية والملائمة، بما في ذلك التدابير الدبلوماسية والاقتصادية، وإذا لزم الأمر العسكرية، لدعم مصالحها ومصالح قطر واستعادة السلام والاستقرار. 

هذه الضمانات الأمريكية الفورية والمعلنة جاءت بعد الأزمة الدبلوماسية المتفجرة التي أعقبت الضربة الإسرائيلية، والتي كادت أن تعصف بجهود الوساطة التي تقودها قطر لإنهاء الحرب في غزة، وتفتح الباب أمام مراجعة شاملة لطبيعة التحالف الأمني بين واشنطن وحلفائها التقليديين في الخليج.

اختباراً حقيقي لمتانة التحالف الأمريكي القطري

الضربة الإسرائيلية على الدوحة مثلت اختباراً حقيقياً لمتانة التحالف الأمريكي القطري، حيث كشفت هشاشة نظام الإنذار الأمني المشترك بين البلدين.

 وفقاً للتفاصيل التي أُذيعت، فإن أول اتصال أمريكي ورد للسلطات القطرية بعد مرور عشر دقائق كاملة من بدء الهجوم، وهي فترة حرجة أثارت تساؤلات حادة حول مدى تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الحليفين. الهجوم الذي استهدف منطقة كتارا في الدوحة، وأسفر عن مقتل ضابط أمن قطري بالإضافة إلى بضعة أشخاص بينهم نجل خليل الحية أحد قادة حركة حماس، حيث لم يكن مجرد انتهاك للسيادة القطرية، بل كان صفعة للكبرياء الأمريكي الذي يفترض أن يكون شريكاً أمنياً أولاً.

ويحمل الأمر التنفيذي الذي وقعه ترامب، يحمل في طياته محاولة لترميم الثقة المتصدعة وإعادة تأكيد المبادئ الأساسية للشراكة الإستراتيجية التي ظلت لسنوات حجر الزاوية في السياسة الأمريكية تجاه الخليج.

تاريخ العلاقات القطرية الأمريكية

العلاقات القطرية الأمريكية تمتد جذورها عميقاً في تربة المصالح المشتركة والشراكات الإستراتيجية التي تتجاوز التحالفات العسكرية المؤقتة لتشمل تعاوناً اقتصادياً وثقافياً واستخباراتياً واسع النطاق. قاعدة العديد الجوية، التي تستضيف آلاف الجنود الأمريكيين، ليست مجرد منشأة عسكرية، بل هي رمز مادي للارتباط الأمني الوثيق بين البلدين، وقد لعبت دوراً محورياً في عمليات مكافحة الإرهاب، لا سيما ضمن الحملة الدولية لهزيمة تنظيم داعش. 

وعلى الصعيد الاقتصادي، تتدفق الاستثمارات المتبادلة بين البلدين في قطاعات الطاقة والطيران والتمويل، حيث طورت شركات الطاقة القطرية شراكات قوية مع أبرز الشركات الأمريكية الرائدة مثل إكسون موبيل وشيفرون فيليبس. وفي سبتمبر 2024، بلغت أوجه العلاقات الثنائية ذروة جديدة عندما أصبحت قطر أول دولة في المنطقة تنضم إلى برنامج الولايات المتحدة للإعفاء من التأشيرة، في خطوة اعتبرت تتويجاً لسنوات من التقارب الدبلوماسي والثقافي بين البلدين.

ضمانات أمريكية عبر الأمر التنفيذي

الضمانات الأمريكية التي جاءت عبر الأمر التنفيذي لم تكن الإجراء الوحيد لاحتواء الأزمة، فقد شهدت الأيام التالية للهجوم الإسرائيلي تحركات دبلوماسية مكثفة على أعلى المستويات، فوفقاً للبيانات الرسمية، أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتصالاً هاتفياً مع رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، وكذلك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وخلال هذا الاتصال الثلاثي، قدم نتنياهو اعتذاره رسمياً عن الهجوم الذي استهدف الدوحة وعن انتهاك السيادة القطرية، ومتعهداً بعدم تكرار أي استهداف لأراضي قطر في المستقبل. 

ومن جهته، أكد ترامب التزام الولايات المتحدة بالشراكة الدفاعية مع قطر، معرباً عن أن الهجوم "لن يتكرر مجدداً". هذه التعهدات، المقترنة بالأمر التنفيذي، شكلت حزمة ضمانات حاولت واشنطن من خلالها تهدئة المخاوف القطرية وإعادة الثقة إلى مسار العلاقات الثنائية التي كادت تصل إلى حافة الهاوية.

رد قطري يتسم بالحكمة الدبلوماسية 

الرد القطري على الأزمة تميز بدرجة عالية من الحكمة الدبلوماسية والبراجماتية السياسية، حيث حرصت الدوحة على توطيد شراكتها مع واشنطن في حين احتفظت بحقها في متابعة المسارات القانونية الدولية. فور وقوع الهجوم، سارعت قطر إلى نفي التقارير الإعلامية التي تحدثت عن نيتها إعادة تقييم تعاونها الأمني مع الولايات المتحدة، مؤكدة في بيان صادر عن مكتب الإعلام الدولي أن "شراكتنا الأمنية والدفاعية مع أمريكا أقوى من أي وقت مضى وتستمر في النمو".

و في الوقت نفسه، أعلن الدكتور ماجد الأنصاري مستشار رئيس مجلس الوزراء المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية أن قطر تحتفظ بحقها في اتخاذ الإجراءات القضائية، خاصة نيابة عن عائلة الضابط القطري الشهيد بدر الدوسري، مع الإشارة إلى خطوات قانونية أخرى تم انتهاجها مثل الجلسة الطارئة لمجلس الأمن والجلسة الطارئة لمجلس حقوق الإنسان في جنيف. هذا الموقف المتوازن يعكس الخبرة الدبلوماسية العميقة التي تمتلكها قطر، وقدرتها على المناورة بين ثوابت السياسة الإقليمية والدولية.

التطورات الأخيرة في العلاقات القطرية الأمريكية لا يمكن فهمها بمعزل عن الجهود الدبلوماسية المتعلقة بملف الحرب في غزة، حيث تشير القرائن إلى وجود ترابط عضوي بين المسارين، ففي توقيت بالغ الدلالة، حيث سلمت قطر مع جمهورية مصر العربية، وفد حركة حماس المقترح الأمريكي لوقف الحرب المبني على خطة الرئيس ترامب.

وأشارت قطر أنها "تقدّر عالياً الالتزام الأمريكي بإنهاء الحرب في قطاع غزة"، معتبرة أن خطة الرئيس الأمريكي "تمثل نظرة شاملة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وهذا ما كانت دولة قطر تسعى لتحقيقه منذ اليوم الأول"، ما يقدم مفتاحاً لفهم الضمانات الأمريكية المتعلقة بأمن قطر، حيث يمكن تفسيرها كجزء من حزمة حوافز تهدف إلى تمهيد الطريق لقبول المبادرة الأمريكية لإنهاء الحرب، وتعويضاً دبلوماسياً لقطر عن الهجوم الإسرائيلي الذي استهدف أراضيها أثناء قيامها بدور الوساطة.

الانعكاسات الإقليمية للأمر التنفيذي الأمريكي

الانعكاسات الإقليمية للأمر التنفيذي الأمريكي بشأن قطر تمتد إلى أبعد من العلاقات الثنائية بين واشنطن والدوحة، لتشمل موازين القوى الإقليمية ومستقبل التحالفات الخليجية الأمريكية بشكل عام. 

ووفقاً لتحليلات الباحثين في شؤون المنطقة، فإن الهجوم الإسرائيلي على قطر وتبعاته قد يدفع نحو مزيد من التقارب بين دول الخليج بعضها مع بعض، وربما مع دول المنطقة الأخرى، في إطار السعي لتعزيز منظومة الردع الخليجية، فالتجارب السابقة، مثل الهجوم على منشآت أرامكو السعودية في 2019، والهجمات التي استهدفت أبوظبي ودبي في 2022، أظهرت للدول الخليجية أن الولايات المتحدة قد لا تكون الحليف الأمني الموثوق به في الأوقات الصعبة، خاصة في ظل سياسة "أمريكا أولاً" التي تتبناها إدارة الرئيس ترامب. 

وهذا الواقع يدفع دول الخليج إلى اعتماد المزيد من سياسات التحوط، والتفكير في خيارات استراتيجية بديلة، بما في ذلك التقارب مع قوى عظمى أخرى مثل روسيا والصين، والدفع باتجاه نظام عالمي متعدد الأقطاب لا يعتمد فقط على الهيمنة الأمريكية.

تابع موقع تحيا مصر علي