ترامب متفائل.. جولة جديدة حاسمة من محادثات شرم الشيخ في ذكرى 7 أكتوبر
انطلقت اليوم في شرم الشيخ جولة مفاوضات جديدة بين إسرائيل وحماس في إطار المساعي الدولية لإنهاء الحرب الدائرة في قطاع غزة، وسط مؤشرات أولية على بداية إيجابية، فيما تأتي هذه الجولة في توقيت بالغ الحساسية، حيث تصادف الذكرى السنوية الثانية للهجوم الذي شُنَّته الحركة على إسرائيل في 7 أكتوبر، فيما يُعتبر التوقيت ذا دلالة سياسية ونفسية عميقة لكافة الأطراف.
وتُجرى المفاوضات غير المباشرة بين وفدي إسرائيل وحركة حماس، بوساطة من مصر وقطر والولايات المتحدة وتركيا، لمناقشة خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المكونة من 20 بندًا لوقف إطلاق النار، والتي تشمل ترتيبات لتبادل الأسرى والمحتجزين، ووقف العمليات العسكرية، وآليات انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع، ومستقبل إدارته بعد الحرب.
انعقاد الجولة الأولى وطبيعة المشاركين
انتهت مساء الإثنين الموافق السادس من أكتوبر 2025 أول جولة من المباحثات بين وساطة دولية ووفد من حركة حماس، ووصفتها القناة "القاهرة الإخبارية" بأنها سارت "وسط أجواء إيجابية"، فيما مثل الحركة في المفاوضات كلاً من خليل الحية وزاهر جبارين، وهما عضوان في الوفد الفلسطيني نجوا من محاولة اغتيال استهدفتهم في العاصمة القطرية الدوحة قبل شهر.
وأفادت مصادر مطلعة نقلاً عن صحيفة الشرق الأوسط أن الجلسة الأولى أسفرت عن "وضع خارطة طريق لجولة المفاوضات الحالية وتحديد آلياتها الزمنية"، مما يشير إلى سعي الأطراف إلى وضع إطار زمني واضح لمسار التفاوض برمته .
الموقف الأمريكي وتصريحات ترامب المتفائلة
أكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، خلال مؤتمر صحفي عقده في البيت الأبيض أمس الإثنين، أن حركة حماس "وافقت على أمور مهمة للغاية"، معربًا في الوقت ذاته عن تفاؤله الشخصي بفرص التوصل إلى اتفاق ينهي الحرب في غزة.
وأوضح ترامب، ردا على أسئلة الصحفيين، أن لديه "خطوطًا حمراء: إذا لم تتحقق أمور معينة فلن نمضي في الأمر"، مشيرًا إلى وجود شروط مسبقة لواشنطن للموافقة على أي اتفاق، من بينها ما يُفهم أنه قد يتعلق بمسألة نزع سلاح حماس. وأضاف قائلاً: "أعتقد أن الأمور تسير على ما يرام"، ومضى إلى التعبير عن اعتقاده بأن الاتفاق بات وشيكًا بقوله: "سنتوصل إلى اتفاق في غزة، أنا شبه متأكد من ذلك، نعم". كما نفى ترامب خلال المؤتمر ما نشرته بعض وسائل الإعلام من اتهاماته لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بالسلبية تجاه المحادثات، مؤكدًا عكس ذلك بأن نتانياهو "إيجابي جدًا بشأن الاتفاق" .
مواقف الأطراف والتحديات القائمة
رغم الأجواء الإيجابية التي أحاطت بالجولة الأولى، فإن التحديات تبدو جلية في المواقف المتباينة للأطراف الرئيسية، ونقلت القناة 13 العبرية عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو توجيهاته لوفده المفاوض بعدم إبداء "أي مرونة في بنود خطة ترامب في هذه المرحلة"، مع تهديد صريح باستئناف العمليات القتالية في غزة في حال لم تحقق المفاوضات تقدماً ملموساً خلال أيام قليلة.
وفي المقابل، تمسكت حركة حماس، وفقًا لمصادر فلسطينية، بضرورة وجود ضمانات ورقابة فعالة تضمن التزام إسرائيل ببنود أي اتفاق محتمل، خاصة ما يتعلق بوقف العمليات العسكرية وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع. كما أوضح وفد الحركة للوسطاء أن استمرار القصف الإسرائيلي في غزة يشكل "تحديًا حقيقيًا أمام الإفراج عن الأسرى"، مؤكدًا على الحاجة إلى وقف العمليات الميدانية لتهيئة الأجواء المناسبة لتحقيق تقدم في ملف التبادل .
المسارات التفاوضية والقضايا العالقة
تركزت النقاشات التفاوضية على عدة مسارات متوازية وشائكة، يأتي في مقدمتها ترتيبات وقف إطلاق النار الدائم، والآليات المحددة لانسحاب القوات الإسرائيلية من كافة مناطق قطاع غزة، وملف تبادل الأسرى والمحتجزين بين الجانبين، إلى جانب مناقشة عدد من القضايا الإنسانية والإغاثية العاجلة لمعالجة الأوضاع الكارثية في القطاع.
وأشارت مصادر فلسطينية إلى أن الوسطاء يحاولون وضع إطار زمني واضح لعملية التبادل وتثبيت الهدنة على الأرض، متوقعة أن تستمر المفاوضات لعدة أيام بسبب التباين الكبير في مواقف الجانبين. كما امتدت النقاشات إلى مسألة مستقبل إدارة القطاع بعد وقف إطلاق النار، وهي من أكثر القضايا إشكالياً، حيث تردد حديث عن احتمال تشكيل قوة دولية مؤقتة لتثبيت الاستقرار والإشراف على عملية إعادة الإعمار المرتقبة .
المشهد الإقليمي والدولي والدور الوسيط
لا تقتصر تعقيدات المشهد على الأطراف المباشرة للصراع، بل تمتد إلى الأبعاد الإقليمية والدولية للمفاوضات. فمن ناحية، تسعى الوساطة المصرية، بحسب مراقبين فلسطينيين، إلى تحقيق توازن دقيق بين متطلبات الأمن الإسرائيلي واحتياجات السكان الفلسطينيين الذين يعيشون أوضاعًا إنسانية مأساوية، فضلاً عن حرص القاهرة على ضمان التزام جميع الأطراف بالاتفاق في حال التوصل إليه، خشية انهياره كما حدث في جولات سابقة.
وعلى الصعيد الدولي، بحث العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني هاتفياً مع الرئيس ترامب مستجدات الأوضاع المتعلقة بالخطة الأمريكية، كما تبادل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونتانياهو الاتصالات حول الوضع في الشرق الأوسط بما في ذلك خطة ترامب، في إطار دبلوماسي مكثف يعكس الأهمية الاستراتيجية لهذه المفاوضات وتداعياتها الإقليمية والعالمية .
وتدخل المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحركة حماس في شرم الشيخ أيامها الحاسمة، حيث من المتوقع أن تستمر اللقاءات لعدة أيام في ظل وجود فجوة واضحة في المواقف بين الطرفين، رغم التفاؤل الأمريكي الواضح. وتعكس التصريحات المتباينة والمواقف المتصلبة لكل من إسرائيل وحركة حماس حجم التعقيدات التي تنتظر الوساطة الدولية، خاصة مع تمسك إسرائيل بخطة ترامب دون أي مرونة، وإصرار حماس على الحصول على ضمانات تمنع انهيار أي اتفاق مستقبلي. وتبقى القضايا الجوهرية مثل انسحاب القوات الإسرائيلية، ووقف دائم لإطلاق النار، وتبادل الأسرى، ومستقبل الحكم في غزة بعد الحرب، هي المحك الحقيقي لنجاح أو فشل هذه الجولة من المفاوضات التي تأتي في ذكرى مرور عامين على اندلاع هذا الصراع الدامي.
تطبيق نبض