عاجل
السبت 06 ديسمبر 2025 الموافق 15 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

المجري لاسلو كراسناهوركاي... سيد الجملة الطويلة وصوت القلق الأوروبي يتوج بنوبل الآداب 2025

تحيا مصر

توجت الأكاديمية السويدية اليوم الخميس 9 أكتوبر 2025، الكاتب والروائي المجري لاسلو كراسناهوركاي بجائزة نوبل للآداب، تقديراً لمسيرته الأدبية الغنية وأسلوبه الفريد الذي يمزج بين التأمل الفلسفي والخيال الأدبي، ولإنتاجه الأدبي ليرسّخ كراسناهوركاي مكانته كأحد أبرز الأصوات الأدبية في أوروبا المعاصرة، بعد عقد من فوزه بجائزة مان بوكر الدولية عام 2015.

من قانون الأحكام إلى متاهات الكلمات

وُلد لاسلو كراسناهوركاي في مدينة جيولا المجرية الصغيرة بالقرب من الحدود الرومانية في 5 يناير 1954، وسط بيئة ثقافية مشبعة بحب القراءة والفن، نشأ في فترة مضطربة من تاريخ المجر، بعد ثورة 1956 التي قمعتها القوات السوفياتية بقسوة.

 بدأ مسيرته الأكاديمية بدراسة القانون في جامعة سيجد، ثم انتقل إلى جامعة أوتفوش لوراند في بودابست لمواصلة دراسة القانون، لكن شغفه بالكلمة غلب على كل شيء، فتحول لاحقاً لدراسة الأدب المجري والتاريخ، ليتخرج ويعمل في دار النشر الحكومية "جوندولات"، حيث صقل نثره المميز الذي سيُحدث لاحقاً تحولاً عميقاً في الأدب المجري. 

عانى كراسناهوركاي من قيود السفر خلال الحقبة الشيوعية، حيث صادرت الشرطة السرية جوازه، قبل أن يتمكن من مغادرة المجر عام 1987 بمنحة من DAAD إلى برلين الغربية، لتبدأ رحلة تنقله بين عدة دول أثرت بشكل عميق في مسيرته الأدبية.

عوالم أدبية لا تشبه أحداً

يتميز أسلوب كراسناهوركاي الأدبي بفرادته واختلافه الصارخ، فهو لا يشبه أحداً بلغته الكثيفة وجمله الطويلة المتدفقة التي تشبه تياراً لا يتوقف من الأفكار والمشاعر. 

فقراته تمتد لصفحات كاملة، فيما يشبه أسلوب الفرنسي مارسيل بروست، مع استخدام مكثف للتكرار وتراكيب وجمل اعتراضية مربكة أحياناً. 

وقد علّق على هذا الأسلوب قائلاً إن الفاصلة المنقوطة "تنتمي إلى الله"، مما يعكس رؤيته للكتابة كتدفق مستمر، وهذا الأسلوب يُعد تحدياً حقيقياً للقارئ، لكنه في الوقت ذاته متعة فكرية نادرة، إذ يربط بين الفلسفة والفن والسياسة بلغة شاعرية آسرة.

 لقد جرت مقارنة أدب كراسناهوركاي وعوالمه وأسلوبه بكتاب أوروبيين آخرين مثل فرانز كافكا، وصامويل بيكيت، وتوماس بيرنهارد، بينما قارنت الناقدة الأمريكية سوزان سونتاج بين عوالمه والروسي نيقولاي جوجول، ووصفته بأنه "سيد المعاصرين لنهاية العالم".

رحلة إبداعية بين الرواية والسينما

يمتد المشروع الأدبي لكراسناهوركاي عبر أربعة عقود، أنتج خلالها مجموعة من الأعمال التي تركت بصمتها في عالم الأدب العالمي.

 كانت انطلاقته الكبرى من خلال روايته الأولى "ساتانتانجو" (1985)، التي صورت مزرعة جماعية مهجورة في الريف المجري قبل سقوط الشيوعية، وتحولت إلى حدث أدبي في المجر، ثم إلى مصدر شهرته العالمية بعد ترجمتها. تبعها روايته "كآبة المقاومة" (1989) التي تدور أحداثها في مدينة مجرية صغيرة يصل إليها سيرك غامض يحمل جثة حوت عملاق، مما يطلق العنان للفوضى والصراع على السلطة. 

ثم جاءت روايته "حرب وحرب" (1999) التي تتبع موظف أرشيف يقرر السفر إلى نيويورك لينشر مخطوطة قديمة وجدها. كما شكلت روايته "عودة البارون فينكهايم إلى الوطن" (2016) ذروة مشروعه الروائي، حيث أعاد فيها تخيل شخصية الأبله لدوستويفسكي في شخصية البارون الذي يعود إلى وطنه بعد سنوات في المنفى. أما روايته "سيوبو هناك في الأسفل" (2008) فتعكس تأثره العميق بفنون وآداب الشرق الآسيوي، وتتأمل في مفهوم الجمال والإبداع الفني.

عائلة وفلسفة وجودية

تزوج كراسناهوركاي مرتين، أولاً من أنيكو بليهي (1990-1997) ثم من دورا كوبتشاني، وهي مستعربة ومصممة جرافيك، في عام 1997. لديه ثلاث بنات: كاتا، وأغنيس، وباني. عاش الكاتب لسنوات في برلين، حيث شغل منصب أستاذ زائر في جامعة برلين الحرة، قبل أن يعود للاستقرار بشكل متقطع في التلال المحيطة بقرية في المجر، حيث يعيش حياة انعزالية إلى حد ما. 

تشكل تجاربه الشخصية والتاريخية أساساً لرؤيته الفلسفية، حيث تطرح أعماله أسئلة وجودية عميقة تستكشف موضوعات الاغتراب والعنف والسلطوية وعبثية الحياة. شخصياته غالباً ما تكون بسيطة ولكنها معقدة نفسياً، تتصارع في عالم متقلب وكئيب، وتسعى للخلاص أو تنتظر مخلصاً، مما يعكس المعضلة الوجودية للإنسان الحديث، وعبر هذا المشروع الأدبي المتماسك، بنى كراسناهوركاي عالماً أدبياً خاصاً يخاطب القلق الإنساني في أعمق صوره.

شراكات فنية وجوائز عالمية

لم يقتصر إبداع كراسناهوركاي على العالم الأدبي، بل امتد إلى السينما من خلال تعاون مثمر مع المخرج المجري بيلا تار. فقد شارك في كتابة سيناريو ثلاثية سينمائية قاتمة بدأت بـ"ساتانتانغو" (1994) - وهو تحويل سينمائي مهيب للرواية، يمتد لسبع ساعات ونصف ساعة بالأبيض والأسود - ثم "تناغمات فيركمايستير" (2000) - المقتبسة من رواية "حزن المقاومة" - ولاحقاً "حصان تورينو" (2011). 

تُعد هذه الأعمال من أهم المنجزات الراسخة في السينما الأوروبية المعاصرة، وتتماشى لقطاتها وإيقاعها مع أسلوبه الروائي المتمدد. كما حصد كراسناهوركاي على مدى مسيرته سلسلة من الجوائز المرموقة داخل المجر وخارجها، من بينها جائزة كوشوت (أرفع تكريم ثقافي في المجر)، وجائزة مان بوكر الدولية (2015)، وجائزة الكتاب الوطني الأمريكي للأدب المترجم (2019)، وجائزة الدولة النمساوية للأدب الأوروبي (2021)، قبل أن يتوّج اليوم بجائزة نوبل للآداب، في ذروة مسار أدبي طويل حافل بالإبداع والتأثير.

تابع موقع تحيا مصر علي