إسرائيل ترفض الإفراج عن مروان البرغوثي.. صفقة التبادل تصطدم بعقدة الرمز الفلسطيني
في تطور مفاجئ، أكدت الحكومة الإسرائيلية رسمياً أن صفقة تبادل الرهائن والمعتقلين لن تشمل القيادي البارز في حركة فتح مروان البرغوثي، مما يضع عقبة جديدة أمام عملية التبادل التي كانت قد أُعلنت بعد وساطات دولية مكثفة.
جاء هذا الإعلان على لسان المتحدثة باسم الحكومة الإسرائيلية خلال مؤتمر صحفي، رداً على استفسار حول مصير البرغوثي قائلة: "في هذه المرحلة، لن يكون جزءاً من هذا التبادل"، بينما يأتي هذا التصريح على الرغم من التقارير السابقة التي أفادت بأن حركة حماس كانت تطالب بشكل قوي بإدراج البرغوثي ضمن قائمة المعتقلين الفلسطينيين الذين ستطلق سراحهم إسرائيل، والذين يقدر عددهم بنحو ألفي أسير ضمن إطار الاتفاقية الحالية.
رفض إسرائيلي وحماس مصرة
تشكل قضية الإفراج عن مروان البرغوثي واحدة من أكثر الملفات تعقيداً في المفاوضات الجارية بين إسرائيل وحركة حماس. فقد أشارت تقارير إعلامية متعددة إلى أن حركة حماس كانت قد أدرجت اسم البرغوثي على رأس قائمة الأسرى التي تطالب بالإفراج عنها، إلى جانب أسماء بارزة أخرى مثل أحمد سعدات الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وإبراهيم حامد، وعباس السيد، ومع ذلك، يبدو أن الموقف الإسرائيلي الرسمي لا يزال متمسكاً بعدم الإفراج عن البرغوثي في هذه المرحلة، على الرغم من الضغوط الدولية والمطالب الحماسية.
بدأ البرغوثي نشاطه السياسي في سن الخامسة عشرة، واعتقل لأول مرة عام 1978، وتدرج في صفوف حركة فتح حتى أصبح أمين الحركة في الضفة الغربية وعضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني.
وفي عام 2000، اعتقلته إسرائيل مرة أخرى وحكمت عليه بخمسة أحكام بالسجن المؤبد بالإضافة إلى أربعين عاماً، بتهمة التخطيط لعمليات مسلحة وتفجيرات انتحارية خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية أسفرت عن مقتل مدنيين إسرائيليين.
أهمية الرمز ودلالة الاستبعاد
يُعدّ مروان البرغوثي أكثر من مجرد أسير عادي في السجون الإسرائيلية، فهو يحظى بشعبية واسعة بين مختلف الشرائح الفلسطينية، ويُنظر إليه على نطاق واسع كرمز وطني. وتظهر استطلاعات الرأي أن البرغوثي هو الشخصية الأكثر شعبية بين الفلسطينيين، حيث كشف استطلاع للرأي أجري في ديسمبر عام 2003 أنه في حال تنافس مع محمود عباس وإسماعيل هنية، فإنه سيحصل على سبعة وأربعين بالمائة من الأصوات، وهذه الشعبية تجعل من قضيته ملفاً بالغ الحساسية لكافة الأطراف.
استبعاد البرغوثي من صفقة التبادل الحالية يحمل دلالات عميقة على عدة مستويات. فعلى المستوى الداخلي الفلسطيني، قد يُنظر إلى هذا الاستبعاد على أنه ضربة لجهود تحقيق الوحدة الوطنية، حيث كان إطلاق سراح البرغوثي قد يسهم في تعزيز صورة الوحدة الفلسطينية وإحياء فكرة المشروع الوطني لدى شريحة واسعة من الفلسطينيين. كما أن إطلاق سراحه كان سيعيد تشكيل موازين القوى داخل حركة فتح والسلطة الفلسطينية في رام الله، ويقوض نفوذ الرئيس محمود عباس وخليفته المحتمل. أما على المستوى الإسرائيلي، فإن الإفراج عن البرغوثي سيمثل ضربة للخطاب الأمني الإسرائيلي.
تفاصيل الصفقة والخلافات العالقة
وتأتي صفقة التبادل في إطار المرحلة الأولى من خطة السلام التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تم التوقيع على مسودتها النهائية رسمياً في مصر، وتنص هذه المرحلة على أن تقوم حركة حماس بالإفراج عن عشرين أسيراً إسرائيلياً على قيد الحياة دفعة واحدة، في مقابل أن تطلق إسرائيل سراح ما يزيد عن ألفي أسير فلسطيني، من بينهم مئتان وخمسون محكوماً عليهم بالمؤبد وسبعمائة اعتقلوا منذ اندلاع الحرب قبل عامين، ومن المقرر أن تتم عملية التبادل خلال اثنتين وسبعين ساعة من بدء تطبيق الاتفاق.
إلى جانب تبادل الأسرى، يتضمن الاتفاق بنوداً أخرى مهمة، منها إدخال ما لا يقل عن أربعمائة شاحنة مساعدات يومياً إلى قطاع غزة خلال الأيام الخمسة الأولى التي تلي وقف إطلاق النار، على أن تزداد هذه الكميات تدريجياً في الفترة اللاحقة.
كما ينص الاتفاق على السماح بعودة النازحين من جنوب القطاع إلى مدينة غزة والمناطق الشمالية فور بدء تنفيذه، وكذلك انسحاب إسرائيلي تدريجي من أجزاء من غزة. وقد أعربت حركة حماس عن ضرورة الالتزام بتنفيذ بنود الاتفاق كاملة، والبدء فوراً في المفاوضات حول المرحلة الثانية من الخطة.
ورحبت دول عربية عدة بالاتفاقية الحالية، بما في ذلك السعودية والإمارات ومصر والأردن وقطر، معربة عن أملها في أن تمهد لمرحلة جديدة من السلام والاستقرار في المنطقة. لكن استبعاد البرغوثي من الصفقة يبقى تذكيراً صارخاً بأن الطريق إلى السلام لا يزال محفوفاً بالعقبات، وأن القضايا الجوهرية ستظل بحاجة إلى حلول أكثر جرأة وإبداعاً في المستقبل.
تطبيق نبض