عاجل
الأربعاء 24 أبريل 2024 الموافق 15 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفـة الســلامي تكتب: شكل العالم بعد جائحة كورونا

تحيا مصر

متى يتوقع العالم عودة رحلات الطيران والمدارس والسياحة وكافة الأنشطة المعتادة بدءا من استشارة في عيادة طبيب وقص الشعر عند الحلاق، مرورا بحضور المآتم والأفراح، وصولا للمصافحة والقبلات والأحضان؟
هذا السؤال الملح أجابت عليه صحيفة نيويورك تاميز بطريقة احترافية "بديعة" من خلال 511 عالم أوبئة حددوا شكل العالم بعد جائحة كورونا. صممت الصحيفة مسحا حددت فيه 20 نشاطا اقتصاديا واجتماعيا تحتل الأولية في حياة الناس، وأرسلته لـ 6 آلاف عالم أوبئة من الأفراد والجمعيات ومراكز أبحاث الوبائيات في شتى أنحاء العالم. وتلقت إجابات دقيقة من 511 عالما في نهاية مايو الماضي، ونشرت النتائج نهاية الأسبوع الأول من يونيو.
وأهميته المسح في اعتقادي تعود إلى كونه يصيغ اتجاهات لصانعي السياسات في العالم والجمهور الواسع حتى يستفيدوا من آراء العلماء أصحاب المعرفة والخبرة في مجال الأوبئة عند اتخاذ قرارات العودة وفك الإغلاق. كما أن أهميته المهنية تكمن في انه بمثابة النموذج التعليمي لكيفية إجراء مسح واسع بطريقة علمية واحترافية ومفيدة في نفس الوقت للجمهور على اختلاف مشاربه.
وقد قسمت عودة الأنشطة ذات الأولوية إلى ثلاث شرائح زمنية: عودة قربية (خلال الشهور الثلاثة المقبلة- عودة بعد 3-12 شهرا – عودة بعد سنة فأكثر.

اقرأ أيضًا.. ألفــة السـلامـي تكتب عن قضية الساعة: "معركة" الثانوية العامة .. وتأمين العودة المدرسية
وقد اتفقوا في غالبيتهم على أن الأنشطة في الأماكن المفتوحة ومع المجموعات الصغيرة أكثر أمانًا من تلك التي في الداخل أو مع حشد من الناس، وأن الكمامات ستكون ضرورية لفترة طويلة تتجاوز العام. كما اتفقوا أن المصافحة وتبادل القبلات، والعناق والأحضان ليست قرارا صائبا قبل عام من الآن، وقال 6% من العينة إن الإقلاع عن هذه العادة تماما هو القرار الصائب.
وقد يكون أمرا ملفتا أمام التحوط الشديد الذي عكسته إجابات العلماء أن نجدهم في المقابل يوافقون بنسبة تقترب من نصف العينة على قص شعورهم في صالون الحلاقة، بينما وبنفس النسبة تقريبا نجدهم يرفضون العودة إلى الصلاة في دور العبادة. يأتي ذلك في الوقت الذي وافق أكثر من النصف على العودة إلى المواعدة (مع شخص لا يعرفوه)، فيما لم يبد إلا 2% رفضهم التام لعودة مثل هذه العلاقات الحميمة!

اقرأ أيضًا.. ألفة السلامي تكتب: المحنة.. والمنحة

وكديل لنزاهة المستطلعين، توزعت العينة التي شملها المسح بين علماء أوبئة يعمل ما يقرب من ثلاثة أرباعهم في الأوساط الأكاديمية، و10 % يعملون في الحكومة، والباقي يعملون مع مراكز وجمعيات غير ربحية وشركات خاصة و مقدمي الرعاية الصحية. وقد أكد أكثر من ثلاثة أرباع المشاركين في هذا المسح أن عملهم اليومي مرتبط بجائحة كورونا بشكل مباشر أو غير مباشر وأن إجاباتهم جاءت بناءا على تخمين توقيت ظهور بعض العلاجات واللقاحات أو البيانات الصادرة حول انتشارالعدوى.
وعبرالعديد من علماء الأوبئة عن الراحة إزاء قرار الذهاب إلى الطبيب قريبا، والتواصل مع مجموعات صغيرة للترفيه في الأماكن المفتوحة على الرغم من استمرار خطر العدوى من الفيروس. ولكن اتفق أغلب العلماء أنه ما لم يكن هناك لقاح أوعلاج فعال أولاً فسينتظرون أكثر من عام قبل أن يكونوا على استعداد للذهاب إلى الحفلات الموسيقية أوالمباريات الرياضية أو أداء الصلوات الدينية الجماعية أو زيارة الأقارب وأفراد الأسرة من كبار السن.
ومن ضمن النتائج التي استوقفتني تلك الخاصة بالعودة للعمل حيث رحب 27 % فقط من العلماء بالعودة القربية إلى العمل في مكتب مشترك مع الزملاء ، فيما قال أكثر من النصف (54%) إنهم مع قرار العودة بعد ثلاثة أشهر وحتى سنة، بينما أكد 18% أن القرار الصائب بالعودة هو بعد أكثر من سنة.
وتبدو هذه النتيجة مخيبة لتوقعات أصحاب الأعمال ورجال ونساء الاقتصاد والسياسة في مصر بل وفي غالبية الدول حيث أنهم يتوقعون عودة فورية لن تتأخر عن بداية شهر يوليوالمقبل. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن تقديرات علماء الأوبئة حول خطورة الفيروس متفاوتة كثيرا مع التكلفة الاقتصادية وتقديرات صانعي القرار السياسي والاقتصادي.
من جهة ثانية، جاءت نتيجة المسح فيما يخص العودة المدرسية منحازة إلى تأجيل تنفيذ القرار إلى ما بعد ثلاثة أشهر وحتى سنة بنسبة 47% ، بينما قال ثلث العينة إنهم يؤجلونها إلى ما بعد سنة كاملة من الآن ورحب 13% فقط بعودة فورية للأطفال في الحضانات والمدارس خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وبذلك يتشابه قرار غالبية العينة (الـ47%) وهم أقل من النصف مع قرارغالبية دول العالم بما فيها مصر بالعودة المدرسية في موعدها خلال شهر سبتمبر. بينما نسبة من يرى أن قرار العودة المدرسية يؤجل للعام المقبل هي مرتفعة نسبيا (30%)، وقد يكون ذلك التفاوت راجعا لتوفر بدائل متاحة للبعض دون الآخر مثل الدراسة "أون لاين" وانتشار الانترنت وأجهزة الكمبيوتر الشخصي.
أما عن سؤال عودة استخدام المواصلات العامة مثل الاوتوبيسات ومترو الأنفاق والقطارات فقد قال 40% من العينة إنهم لن يركبوا وسائل المواصلات العامة إلا بعد سنة من الآن لتتساوى في ذلك مع من يوافقون على عودة استخدامها بعد ثلاثة أشهر إلى سنة، بينما قال 20% فقط إنهم مع العودة خلال أشهر الصيف، ورفض 1% عودتها تماما لما تتضمنه من مخاطر جمة على صحة الناس واحتمالات نقل العدوى بالفيروس.
وأظن أننا في مصر خارج سياق النتيجة وبعيدا كل البعد عن نصيحة العلماء.. لأن الناس لم تتوقف عن استخدام وسائل المواصلات العامة في أي وقت من الأزمة بل إن الازدحام بها يبعث الرعب في القلوب ويؤكد انه أحد المصادر الرئيسية وراء سرعة نقل العدوى وزيادة حالات الإصابة لدينا.
ولعله من المخيب لآمال الكثيرين أفرادا وشركات أن يتجه 44% إلى القول إن قرار عودة السفر بالطائرة لن يكون صائبا إلا بعد 3 أشهر وحتى سنة من الآن في حين يرى 20 % فقط
أن قرارعودة السفر صائبا خلال الأشهر الثلاثة المقبلة. وقال 37% ليس بعد مرور عام بينما ينصح 1% بعدم السفر بالطائرة مطلقا.
هذه النتيجة تتوقع استمرار خسائر شركات الطيران والسياحة والفنادق والقرى السياحية التي تضررت ضررا بالغا من الجائحة بعد توقف السفر كما تتوقع النتيجة بأن عودة حركة السفر لطبيعتها لن تبدأ إلا بعد عام من الآن. وهذا يعني أيضا ركودا طويل المدى لصناعات كثيرة قائمة على النشاط السياحي إضافة إلى ارتفاع قياسي في معدلات البطالة.
وتضاهي خيبة الأمل هذه ما جاء بشأن "بزنس المطاعم والكافيهات" الذي أكد المسح أنه سيعاني المزيد من الركود والخسائر خلال الفترة المقبلة، حيث قال 16% فقط أنه بالإمكان خلال ثلاثة أشهر ارتياد مطعم وتناول وجبة داخله، في حين ارتفعت النسبة لتصل لـ 56% بالنسبة لعودة للنشاط بعد ثلاثة أشهر وتمتد إلى سنة، وقال 28% ليس قبل عام من الآن. وهي توقعات من شأنها أن تدفع أصحاب هذا البزنس إلى التفكير في حلول جدية لإنقاذ نشاطهم مثل تحويل كافة خدماتهم إلى الأماكن المفتوحة أو تطوير خدماتهم واعتمادها على التوصيل للمنازل.
نأتي إلى السؤال الخاص بحضور حفل زفاف أو جنازة أو عزاء حيث قال 17% إنه بالإمكان المشاركة بتلك التجمعات خلال أشهر الصيف، وقال 41% بعد ليس أقل من 3 أشهر وحتى سنة، بينما أكد 42% أنه بعد سنة كاملة.. وقال 1% إنه لا حضور بعد الآن مطلقا لهذه المناسبات.
وهذه الإجابة غير منطبقة على المصريين جملة وتفصيلا لأن ما يحدث على أرض الواقع يؤكد أن حضور هذه المناسبات وما يصاحبها من سلامات وأحضان لم يتوقف حتى في أوقات الحجر خاصة في المناطق الشعبية والريفية.
أما بالنسبة لزيارة الأقارب والأصدقاء المسنين في منازلهم فجاءت النتيجة لصالح العودة بنسبة 20% فقط، بينما 39% و40% قالوا بضرورة إرجائها بعد ثلاثة أشهر أو عام على الأقل على التوالي .
ولا يمكن إغفال تلك الشريحة من العلماء (أقل من 2% ) التي أيدت قرار الامتناع عن جميع الأنشطة الـ 20 حتى يتم توزيع لقاح للفيروس على نطاق واسع. وقال آخرون إنهم سينتظرون ظهور اللقاح قبل التفكير في بدء الأنشطة في الأماكن المغلقة.
كما لا يمكن أن نهمل نصيحة سالي بيكيوتو من جامعة كاليفورنيا ، بيركلي ، وهي واحدة من 18 % من المستطلعين الذين قالوا أنهم رغم كرههم للعمل من المنزل إلا أنهم يتوقعون أن العمل في مكان مشترك داخل مكاتب الشركات هو أخطر شيء يمكن أن نقدم عليه. ويؤكدون أن الانتظار لمدة عام على الأقل ضروري قبل العودة إلى المكتب.
ولا بد أن نتوقف عند ما ذكره علماء الأوبئة من كونهم يتخذون قراراتهم بناءًا على بيانات متاحة للجمهور في منطقتهم مثل العدوى وتحليل العينات، وتأكيدهم أن هناك فرصة لموجة ثانية من العدوى.
وعلى الأرجح سوف تتغير قراراتنا بمرور الوقت ونقدم على القيام ببعض الأنشطة التي كنا نرفضها لأننا سئمنا الإغلاق، وليس أكثر. وسيكون القرار خاضعا لميزان كل شخص وفقا لاعتبارات عملية خاصة به. فالذين يٌطلب منهم الذهاب إلى مكتب أو مستشفى كل يوم سيفعلون ذلك ، حتى إذا كانوا يعتقدون أنه سيكون من الآمن البقاء في المنزل. كما أن الحاجة إلى رعاية الطفل أو المسنين ستفرض خيارات صعبة سنقوم بها أيضا رغم صعوبتها. لكن من السهل تجنب الأنشطة التي تبدو اختيارية ، مثل حضور حفلة موسيقية أو مباراة رياضية.
وسيزن الناس مخاطر العدوى بالفيروس ومقارنتها بفوائد تعود عليهم من بعض الأنشطة، بما في ذلك الرفاهية العاطفية. كما سيرسلون أبناءهم للمدارس أو الحضانات إذا لم يكن هناك حل غيره في مقابل مزايا التعليم والعمل.
ربما لم نتلق تدريبًا على علم الأوبئة ولكن أغلبنا أصبح يعلم أن الأمر سيستغرق شهورًا أو أكثر قبل أن تصبح العديد من الأنشطة العادية روتينية مرة أخرى. وحتى عندما نعود إلى الأنشطة العادية ، فإننا سنقوم بها بشكل مختلف ولفترة طويلة ، وسيستغرق ذلك أكثر من عام قبل التوقف عن ارتداء كمامات بشكل روتيني خارج المنازل. إن العالم قد تغير وسيكون مختلفًا لفترة طويلة. هذه أزمة حياتنا ونحن بحاجة إلى احتضانها.
[email protected]

تابع موقع تحيا مصر علي