عاجل
السبت 25 مايو 2024 الموافق 17 ذو القعدة 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (١)

ياسر حمدي
ياسر حمدي

أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».

هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.    

مقالي الأول في سيرته العطرة تحت مسمى «سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم»، فهو محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم، تزوج والده عبدالله بآمنة بنت وهب بن عبدِ منافِ بن زُهْرةَ، تجتمع مع عبدالله في حكيم بن مرَّةَ، فعبدالله من قصيِّ بن حكيم، وآمنة من زُهْرةَ بن حكيم.. ولد علية الصلاة والسلام حين طلوع فجر يوم الاثنين ٢٠ أبريل سنة ٥٧١ ميلادية بعد وفاة والده بشهرين، تاركًا له خمسًا من الجِمالِ، وبَرَكةَ الحبشية المَكْنية ب«أم أيمن».

ثم توفت أمُّه وعمره ست سنوات، فكفله جدُّه عبدالمطلب، قائلًا: «ليكوننَّ لا بني هذا شأن»، ثم عمه أبو طالب بعد وفاة جده، وعمره حين ذاك ثماني سنوات، فأحسن كفالته، وأعز جانبه، وأحبه حبًا شديدًا، ثم خرج به حين بلغ ثلاث عشرة سنة في خَرْجةٍ متاجرًا إلى الشام، فلَقِيَه في طريقه عند بُصْرَى «بحيري الراهب» وهو من الأحبار، فقال لأبي طالب: «ارجع بابن أخيك فسيكون له شأن عظيم، واحذر عليه من اليهود، فإن زمانه قد قرُب كما أنبأنا عن ذلك دانيال في نُبوءتِه».

فرجع به إلى مكة حين فرغ من تجارته، وأحضره معه «حرب الفِجَار»، وهي حرب كانت بين كنانة ومعها قريش وبين قيس، وكان عمره أربع عشرة سنة، ولما بلغ خمسًا وعشرين سنة سمعت خديجة بنت خويلد بأمانته النادرة وأخلاقه المرْضية، فعرضت عليه خروجه إلى الشام في تجارة لها مع غلامها ميسرة، فقبل وسافر وربح كثيرًا وعاد إلى مكة، فأخبرها ميسرة بأمانته وكرامته.

وكانت خديجة بنت خويلد من شريفات العرب، موصوفة بالعقل والحزم والثروة، فعرضت عليه أن يتزوجها، وكانت أيما لها من العمر أربعون سنة، فأجابها صلى الله عليه وسلم وأصدقها عشرين بَكْرة، وتزوجها، وكان له خمس وعشرون سنة، فبقيت معه ورزقها الله كل أولاده منها - إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية التي أهداها إليه المقوقس عظيم القبط بمصر، ثم ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين.

وقد كان صلى الله عليه وسلم أميًا راجح العقل، بعيد الهمِّ، كثير النظر، طويل الصمت، لين الجانب، موفور الحِلْمِ، دائم البِشْر، سديد الرأي، وكان لا يَتشهَّى، ولا يَتشكَّى، ولا يَتسخَّط، ولا يَلتمِس من أحدٍ شيئًا يجد في التماسِه مهانةً وذلَّا، يرحم الصغير ويوقر الكبير، لا يحقِر فقيرًا لفقره، ولا يهاب عظيمًا لعظمته، كان يتفقد أصحابه إذا غابوا، ويلاطفهم إذا حضروا، وكان زاهدًا متواضعًا، يجلس على الأرض، ويخصِف النَّعْل، ويرقع الثوب، يحسبه الرائي فقيرًا وهو أغنى الناس، وصغيرًا وهو أعظمهم، حدث عنه بما شئت من أخلاق غوال لم يتصف بها مخلوق سواه.

وأعظم أثرٍ له عند العرب قبل مبعثه اشتراكه في تأليفه من أشراف قريش حزبًا يسمى «حزب الفضول»، لدرء المظالم ورد الحقوق إلى أهلها، قال عنه النبي عليه الصلاة والسلام في حديث: «لقد شهدتُ في دار عبدالله بن جُدْعان حِلْفًا ما أحبُّ أن لي به حُمْرَ النَّعَمِ، ولو أُدْعَى به في الإسلام لأجبت».

فانظر إلى ذلك الشَّمم العالي والهمة الكبيرة وتلك المكرمة الجليلة التي وضعها صلى الله عليه وسلم بين عرب بدو سكان جبال وقفار، ما قرأوا كتابًا ولا عرفوا مدنية ولا خالطوا أممًا مهذبة، فهل يوجد الآن في ذلك العصر؛ عصر النور، عصر الحرية والإنسانية من يؤيد مثل هذا المبدأ السامي؟! هل توجد في أوروبا أو أمريكا جمعية أو حزب مثل تلك التي قامت على أساس العدل في صحراء خالية من العلم والاختراع منذ أربع عشر قرنًا.

ومما أعظمه في نفوس العرب من قريش وغيرهم أن حسم نزاعًا كاد يؤدي إلى امتشاق الحسام وسل السيوف من أغمادها، فإن قريشاً كانت هدمت الكعبة لإصلاحها بعد تلف جدرانها، فلما أتموا بناءها وارادوا وضع الحجر الأسود اختلفوا فيمن يضعه، وتناقشوا فيما بينهم واختصموا، فحكَّموا أول داخل عليهم من باب الحرم، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من دخل فحكَّموه، فبسط رداءه وأمر بوضع الحجر عليه، وتُمْسِك كل قبيلة بطرف منه ثم يُرفع ويُضع مكانه، فرفعوه حتى بلغوا موضعه، فوضعه صلى الله عليه وسلم وعمره ٣٥ سنة.

وخير الكلام ما قل ودل، أنه صلى الله عليه وسلم كان في صغره مثال الخلق الفاضل والكمال الوافر، وقد حفظه الله سبحانه وتعالى قبل رسالته من كل ما كانت عليه وتعمله العرب في الجاهلية مما حرمه الإسلام فيما بعد، فكان لا يسجد لصنم ولا وثن، وما كان يشرب الخمر ولا يلعب الميسر مع شيوعهما عند العرب شيوعًا كثيرًا.

تابع موقع تحيا مصر علي