عاجل
السبت 04 مايو 2024 الموافق 25 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب:السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية (١٠)

الكاتب الصحفي ياسر
الكاتب الصحفي ياسر حمدي

أعزائي القراء والمتابعين الكرام في كل مكان، كل عام وحضراتكم بخير بمناسبة شهر رمضان الكريم، أعاده الله عليكم وعلى مصرنا الغالية والأمتين العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، عملًا بقوله تعالى «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ»، وتماشيًا مع ما قامت به الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية من إطلاق حملة «أخلاقنا الجميلة»، لاستعادة القيم الأصيلة، والأخلاق النبيلة، فقد قررت أن أتشرف بكتابة سلسلة مقالات يومية خلال هذا الشهر الكريم عن السيرة العطرة لخير البرية تحت عنوان «السيرة النبوية.. لرسول الإنسانية».

هذه السلسلة الرشيدة خلاصة أبحاث دقيقة، وقراءات عميقة لأمهات الكتب الغنية لكبار العلماء والكتاب في السيرة المحمدية، لنتعرض خلالها لحياته الثرية، ونشأته البهية، وأخلاقه العظيمة، وصفاته الشريفة، ومواقفه النبيلة.. هذه المقالات أبتغي بها مرضات الله حتى نقتضي به، ونتأسى جميعًا بأخلاقه الجميلة، فقد قال إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق، فعلينا أن نتحلى بصفاته الحميدة، ونسير على دربه، لتسود فيما بيننا مكارم الأخلاق لأهميتها للفرد والأسرة، والمجتمع، وننعم بالمحبة والسلام.

مقالي العاشر في سيرة خير الآنام محمد عليه الصلاة والسلام بعنوان «عاتبه الله في الأسرى»، عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وكما ذكرنا في المقال السابق تحت عنوان «ورأيهم شورى بينهم»، ثم استشار أصحابه في قتل الأسرى وقبول الفدية منهم، فكان رأي عمر وسعد بن معاذ القتل، وكان كما قلنا من قبل رأي أبي بكرٍ وأكثر الصحابة قبول الفدية.

فرضِي النبي صلى الله عليه وسلم رأي أبي بكر، فعاتب الله نبيه بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُۥٓ أَسۡرَىٰ حَتَّىٰ يُثۡخِنَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنۡيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلۡأٓخِرَةَۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ (67) لَّوۡلَا كِتَٰبٞ مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمۡ فِيمَآ أَخَذۡتُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ (68) فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمۡتُمۡ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ (69)} [الأنفال: ٦٧ - ٦٩]، ثم أمره تعالى أن يتلطف بهؤلاء الأسرى، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنفال: ٧٩].

افتدت قريش أسرها، فمن حضر فداؤه أرسل، ومنهم من مُنَّ عليه بغير فداء، وكان فداء بعض الأسرى الفقراء الذين يكتبون أن يعلم كل منهم عشرة من صبيان الملسمين الكتابة، ولم يُعْفِ رسول الله صلى الله عليه وسلم عمه العباس من الفداء، وافتدت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجها أبا العاص بقلادتها، ثم ردت إليها بعد.

نزلت في هذه الغزوة العظيمة من القرآن «سورة الأنفال» بأكملها، وقد بين الله في تلك السورة أحكامًا كثيرة وتكلم فيها عن قريش وما فعلته من الأذى لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصدِّه عن سبيل الله، وعن أمر الأسرى، وغير ذلك من الأحكام.

يعجب الإنسان كثيرًا من تفوق المسلمين على الكفار في هذه الغزوة، وما أبدوه من البسالة والإقدام في ذلك الموقف الرهيب مع قلة عددهم وعُدَدِهم، وأولئك عرب وهؤلاء عرب عنصرهم واحد، وقريش كانت تغار على دينها وتحتفظ به احتفاظًا شديدًا كما يغار المسلمون على دينهم ويحتفظون به، ولكن عجبه يزول عندما يعلم أن المسلمين كانوا يقاتلون بعزيمةٍ صادقةٍ وقلبٍ ممتلئ بالطمأنينة لله تعالى والثقة بوعده على لسان رسوله بالفوز والنصر المبين.

فهي آية ظاهرة على عناية الله تعالى بالإسلام، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)} [آل عمران: ١٢٣]، أي يوم بدر، وهو يوم الفرقان الذي أعز الله فيه الإسلام وأهله، ودمغ فيه الشرك وخرب محله، هذا مع قلة عدد المسلمين يومئذ، فإنهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا فيهم فرسان وسبعون بعيرًا، والباقون مشاة، ليس معهم من العدد جميع ما يحتاجون إليه، وكان العدو يومئذ ما بين التسعمائة إلى الألف في سوابغ الحديد والبيض، والعدة الكاملة والخيول المسومة والحلي الزائد، فأعز الله رسوله، وأظهر وحيه وتنزيله، وبيض وجه النبي وقبيله، وأخزى الشيطان وجيله ولهذا قال تعالى - ممتنًا على عباده المؤمنين وحزبه المتقين: «ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة» أي: قليل عددكم ليعلموا أن النصر إنما هو من عند الله، لا بكثرة العدد والعدد.

وهنا يتأكد لنا أن الله حافظ لدينه، وأن عنايته للإسلام ونبيه فاقت توقعات البشر، فقد حفظ الله رسوله صلى الله عليه وسلم من قبل وقت الهجرة عندما كان النبي الكريم بالغار ومعه الصديق الذي حالفه الحظ أن يصاحب النبي عليه الصلاة والسلام في رحلة الهجرة، وأعمى أبصار قريش عنهم، ومن قبل حينما بلغ المولى عز وجل رسوله بما تم من اتفاق بين المشركين على قتله والوقوف أمام منزله في ليلة الهجرة، ثم النصر المبين الذي بشر به عبده ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر الكبرى التي ضاعفت شوكت المسلمين وأعلت من شأنهم أمام العرب أجمعين.

لغزوة بدر أثر كبير في نفوس المسلمين، فكانت في شهر كريم وهو شهر رمضان المبارك، وجاءت بعد هجرة المسلمين وتهجيرهم من ديارهم وأرضهم وأموالهم، ثم جائت ليشفي بها الله صدور المهاجرين المستضعفين بعدما أشتد بهم عذاب قريش، فكانت بمثابة علامة كبرى من الله لعبادة المسلمين وإشاره منهم سبحانه وتعالى أنكم على حق وأن لهذا الدين رب يحميه وينصر عباده النصر المبين.

تابع موقع تحيا مصر علي