عاجل
الخميس 25 أبريل 2024 الموافق 16 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

مفتي الجمهورية: والدي النبي هما خلاصة أهل الاصطفاء والإيمان.. الصلاة والسلام عليهما «مشروعة ومستحبة».. و«ملعون» من يزعم أنهما في النار

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام مفتي الجمهورية

هل تجوز الصلاة على والدي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ أنه ورد في بعض الكتب صيغة: «اللهم صل على سيدنا محمد وعلى والديه وعلى آله وصحبه وسلم»؛ فهل هذا يجوز؟ وهل تجوز الصلاة على والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم استقلالًا؟ وما حكم السلام عليهما؟ وهل تكون الصلاة والسلام عليهما بالاسم أم بالوصف؟ وما الرد على من يزعم أن الصلاة والسلام على والدي النبي حرام بحجة عدم وروده وأنهما ماتا على الجاهلية ويحرِّم الدعاء لهما؟ وما واجب المسلم تجاه والدي النبي صلى الله عليه وسلم؟

والدي النبي نبع النور ومستودَعُ الكمال

وحول هذا قال فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إن الأمر الإلهي بالصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتضمن الاعتناءَ بإظهار شرفه، والإشادةَ باصطفاء أصله وطهارة نسله، وإحسان الصلاة عليه، وكمالُ الإحسانِ: الجمعُ بينه وبين الآل: من يؤول إليهم ويؤولون إليه.

والحق الذي يجب اعتقادُه ولا يجوز غيرُه: أن والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنان، وهما خلاصة أهل الاصطفاء والإيمان؛ لأن الله اختارهما لنور النبوة؛ فهما خير مستقَرٍّ ومستودَعٍ، وهما من الآل لغة وشرعًا فتشملهما الصلاة عليه، بل هما أَوْلَى دخولًا؛ لأنهما أقربُ أصوله إليه، فهما أصل النبي والآل، ونبع النور ومستودَعُ الكمال.

السلام على سيدنا رسول الله

من يزعم أن والدي النبي في النار«ملعون»

وأكد فضيلة المفتي في الفتوى رقم (5355)، أن القاضي أبو بكر بن العربي (توفي: 543 هـ) سُئل عن رجل قال: إن أبا النبي في النار! فأجاب: بأنّ مَن قال ذلك فهو ملعون؛ لقوله تعالى: «إنّ الذين يُؤذُونَ اللهَ ورَسُولَه لَعَنَهم اللهُ في الدنيا والآَخِرةِ وأَعَدَّ لَهم عَذابًا مُهِينًا» (الأحزاب: 57)، قال: «ولا أذًى أعظم من أن يقال عن أبيه صلى الله عليه وآله وسلم إنه في النار». (مسالك الحنفا - في: الحاوي للفتاوي - 2/ 279).

وسُئِل شيخُ الإسلام قاضي قضاة الديار المصرية شيخُ الشافعية، شرفُ الدين يحيى بنُ محمد المناوي (توفى: 871 هـ) عن والد النبي صلى الله عليه وسلم: هل هو في النار؟ فزأر في السائل زأرةً شديدة، فقال له السائل: هل ثبت إسلامه؟ فقال: «إنه مات في الفترة؛ ولا تعذيب قبل البعثة». (نقله عنه الإمام السيوطي في: مسالك الحنفا - ضمن: الحاوي للفتاوي - 2/ 245)

وقال الإمام القسطلاني الشافعي (توفى: 923 هـ) في (المواهب اللدنية): «والحذرَ الحذرَ مِن ذكرهما بما فيه نقصٌ، فإن ذلك قد يؤذي النبي صلى الله عليه وآله وسلم؛ فإن العرف جارٍ بأنه إذا ذُكِرَ أبو الشخص بما يُنقِصُه، أو وُصِفَ بوصفٍ به وذلك الوصفُ فيه نقصٌ: تأذَّى ولدُه بذكر ذلك له عند المخاطبة، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ» رواه الطبراني في (الصغير)، ولا ريب أن أذاه صلى الله عليه وآله وسلم كفرٌ».

وقال إمام الشافعية في زمنه العلامةُ ابنُ حجرٍ الهيتميُّ (توفى: 973 هـ) في (الفتاوى): «إياك أن يسبق لسانُك إلى غير ما قلنا -يعني: نجاة والدي النبي- فتكون ممن آذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فتستحق اللعنة بنص القرآن؛ كما قدّمنا عن ابن العربي، وإذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لمّا شكا إليه عكرمةُ بن أبي جهل رضي الله عنه قولَ الناس: هذا ابنُ أبي جهل: لَا تُؤْذُوا الْأَحْيَاءَ بِسَبِّ الْأَمْوَاتِ؛ هذا مع كونه أبا جهل، فما ظنك بمن يتكلم في آبائه صلى الله عليه وآله وسلم بما يحطهم عن غاية الشرف والرفعة! نعوذ بالله من ذلك، ونسأله السلامة عن الخوض في مثل هذه المهالك».

وصَدَرَت بذلك فتوى مفتي الديار المصرية العلامة محمد بخيت المطيعي (توفى: 1354 هـ)، والتي قال فيها ردًّا على مَن زَعَم أن أبَوَي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم لَيْسَا مؤمنَيْنِ: «قد أخطأ خَطَأً بَيِّنًا؛ يَأثَمُ ويَدخُلُ به فِيمَن آذى رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم».

وصنف العلماء عبر القرون في بيان ذلك عشراتِ المصنفاتِ، حتى صنف الإمام الحافظ السيوطي وحدَه رضي الله عنه في ذلك ستَّ رسائل؛ هى: «مسالك الحنفا في والدي المصطفى»، و«الدرج المنيفة في الآباء الشريفة»، و«المقامة السندسية في النسبة المصطفوية»، و«التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة»، و«نشر العلمين المنيفين في إحياء الأبوين الشريفين»، و«السبل الجلية في الآباء العلية».

قبر السيدة آمنة بنت وهب

والدته الشريفة سيدة النساء.. وأبوه سيد الرجال

وأوضح فضيلة المفتي، أن من لطيف الإشارات في هذا المقام: أن الله تعالى سمَّى أمَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الأزل «آمنة»؛ لتكون في الدارين آمنةً؛ فكأنه قيل: ومَن يأمَنُ إن لم تأمَن الآمنة! وسمَّى أباه في الأزل «عبد الله»: ليتحقق فيه وصفُ العبودية لله، فكأنه قيل: ومن العابدُ لمولاه، إن لم يَكُنْه «عبدُ الله»، أقربُ الساجدين سببًا ونسبًا بسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو الأب الماجد، والعبد الساجد «وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ»، وهو العبد المصطفى ﴿وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى﴾؛ فتطابق الاسم والمسمى، وتوافق المعنى والمبنى.

الصلاة على والدي النبي «مستحبة شرعًا»

وأوضح فضيلة مفتي الديار، أن الصلاة على والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، تبعًا: «مستحبة شرعًا»؛ لأن فيها امتثالًا للأمر بإحسانها؛ تمدحًا بشرف الأصل النبوي، وإشادةً بعظمة الاختيار الإلهي لأبويه، ولأنهما من الآل؛ ففي التصريح بذكرهما تفصيل بعد إجمال، وتعديد لجهات الكمال.

وقد اتفق العلماء على جواز الصلاة على المؤمنين تبعًا، ولا شك أن والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم هما خلاصة أهل الإيمان، ولقطع الألسنة الطاعنة في جنابهما، كما في استحباب التصريح بالصحابة تبعًا مع عدم وروده؛ قياسًا على الآل ودفعًا للطعن، فالتصريحُ بوالدي النبي أولى؛ لأنه أظهر للشرف وأبلغ لمقصود الصلاة، ولأنهما من الآل حقيقة، والدفاع عنهما مقدَّمٌ لعظيم مكانهما، والصيغة المذكورة: «اللهم صل على سيدنا محمد وعلى والديه وعلى آله وصحبه وسلم» استحبها علماء المدينة المنورة من غير نكيرٍ.

فالوالدان الشريفان من آل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لغة وشرعًا، فتشملهما الصلاة عليه، بل كونُهما أقربَ أصوله إليه يقتضي أنهما الأَوْلى شمولًا والآكدُ دخولًا، فهما أصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم والآل، ونبع النور ومستودَع الكمال؛ فوالدته المطهرة الشريفة «سيدة النساء»، وأبوه «سيد الرجال».

المسجد النبوي

هل يجوز قول: اللهم صل على والدي النبي؟

وأشار مفتي الديار المصرية، إلى أن الصلاة على والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم استقلالًا: «مستحبة» كذلك؛ لأن مآلها للشرف النبوي؛ فالإفراد فيها لفظي لا معنوي؛ إذ الصلاةُ عليهما إشادةٌ باصطفاءِ أصولِه وطهارةِ منبتِه؛ لأن شرفَهما شرفٌ نبوي.

كما أن السلام على والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم جائز كذلك؛ تبعًا واستقلالًا؛ لهذا المعنى، ولأن الله سلَّم في كتابه على عباده الذين اصطفاهم، وهما مِن المصطفَيْنَ الأخيار، وسلَّم على آل ياسين، وهم آل البيت.

وأوضح فضيلة المفتي، أن القول يتأكد باستحباب الصلاة والسلام على والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: في موطن إثبات إيمانهما والرد على منتقصهما؛ إظهارًا لشرف الأصل النبوي وحذرًا من السقوط في مهلكة ابتذاله، وتقريرًا لاصطفاء آباء المصطفى وأنهم من آله، وإقرارًا لعينه صلى الله عليه وآله وسلم، ويستوي ذكرُهما بالاسم أو بالوصف، وإن كان الوصف مقدَّمًا؛ تشرفًا بذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

المسجد الحرام بمكة المكرمة

والدي النبي أولى بكل مؤمن من نفسه

وأكد فضيلة مفتي الديار المصرية، أن حق والدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم على كل مؤمن أعظم من حق والديه عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بكل مؤمن من نفسه، فوالداه كذلك، والسيدة آمنة عليها السلام أعظم النساء تحققًا بأمومة المؤمنين وزيادة؛ لاختصاصها بأمومة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ويجب على كل مكلف الذبُّ عن جنابهما، والردُّ على الطاعنين في إيمانهما، المستهينين بأصْلَيْه الشريفين عليهما السلام.

والله تعالى أمر عباده المؤمنين بالاعتناء بإظهار شرف نبيه المبين، وتعظيم شأن سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم وعليهم أجمعين، والإشادة بكرم أصله الشريف وطهارة فرعه المنيف، واستغراق الوسع في ذلك بالمدح وكثرة الثناء، وتمام المتابعة والاقتداء، وذلك كلُّه مضمَّن في الأمر الإلهي، بالصلاة والسلام على الجناب النبوي صلى الله عليه وآله وسلم.

فالله تعالى يقول: «إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا» (الأحزاب: 56)، والصَّلاةُ: هي التعظيم؛ كما قال الإمام الحليمي (توفى: 403 هـ) في كتاب (شعب الإيمان)، وهي: الدّعاء، والتّبريك، والتّمجيد، كما نقله العلامة الراغب (توفى: 502 هـ) في كتاب (المفردات) عن كثير من أهل اللغة.

تابع موقع تحيا مصر علي