عاجل
الجمعة 03 مايو 2024 الموافق 24 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

مفتي الجمهورية: بيع القمح كبديل للعلف الحيواني ممنوع شرعا ومجرم قانونا.. واستغلال ما يحدث للناس من أزمات ليس من شيم الرجال

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام - مفتي الجمهورية

حذر فضيلة الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم، من مغبة بيع القمح في السوق السوداء لاستخدامه بدلًا من العلف الحيواني، مؤكدًا أن واستغلال ما يحدث للناس من أزمات ليس من شيم الرجال.

حكم بيع القمح في السوق السوداء

وأكد فضيلة مفتي الجمهورية، أنه يُمنَعُ شرعًا، ويُجرَّم قانونًا بَيْعُ محصول القمح المحلي لموسم الحصاد المصري في السوق السوداء لاستخدامه في العلف الحيواني أو كبديلٍ له؛ لأن فيه مخالفةً لقرار ولي الأمر في هذا الشأن، ولما فيه من تضييقٍ على الناس؛ حيث يؤدي ذلك إلى قِلَّةِ المخزون الإستراتيجي مِن القمح، مما يسبب في تفاقم الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، بل قد يؤدي إلى العجز عن توفير الدعم اللازم من الأقوات للمستحقين، فيتضرر المواطن ويتأذى في أهم حاجاته وهي قوته وغذاؤه.

وقد جاء قرار وزارة التموين والتجارة الداخلية رقم (٦٧) لسنة ٢٠٢٣ م بشأن استلام القمح المحلي وتنظيم تداوُلِهِ والتعامل عليه، وحظر استخدامه أو حيازته بغرض الاستخدام في مكونات الأعلاف.

دعوة الإسلام إلى التعاون بين الناس

وأشار فضيلة المفتي، إلى أن حكمةُ الباري سبحانه وتعالى اقتضَت أن تقُوم حياةُ بني الإنسان على الاجتماع والتعاون فيما بينهم، فالإنسان وَحدَه لا يقدر على تلبية كلِّ حاجاته دون الاحتياج إلى غيره؛ حيث يفتقر دائمًا إلى غيره في مَأكله، ومَشربه، ومَسكنه، ومَلبسه، وسائر شؤونه، وهذا هو معنى كونِ الإنسان مدنيًّا بطبعِه.

وإلى هذا المعنى يشير سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، وزاد الإمام البخاري: «وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ».

كما يشير أيضًا إلى المعني السابق قول سيدنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى» أخرجه الشيخان من حديث النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما.

قال الإمام المناوي في (فيض القدير): «وفيه: تفضيل الاجتماع على الانفراد، ومدح الاتصال على الانفصال، فإن البنيان إذا تفاصَل بَطل، وإذا اتصَل ثَبت الانتفاع به بكلِّ ما يراد منه» اهـ.

وجوب طاعة ولي الأمر

وأوضح مفتي الجمهورية، أنه لَمَّا كانت حياة الإنسان لا تَسْتَقِرُّ إلا بهذا النظام مِن الاجتماع والتعاون فيما بينهم وخدمة بعضهم البعض، لَزِمَ مِن ذلك وُجودُ مَرجِعٍ للناس يأتمرون بأمره وينتَهُون بِنَهْيِه، وهو وَلِيُّ الأَمْر؛ رفعًا للنزاع والشقاق بينهم، وإلا عَمَّت الفوضى، واختَلَّ النظامُ العامُّ، ودَخَلَ على الناس فسادٌ عظيمٌ في دِينِهم ودُنياهم، وعَمَّ الهرج، وضاعت الحقوق.

قال حجة الإسلام الغزالي في (الاقتصاد في الاعتقاد): «الدنيا والأمن على الأنفس والأموال لا ينتظم إلا بسلطانٍ مُطَاعٍ، فتشهد له مشاهدة أوقات الفتن بموت السلاطين والأئمة، وإنَّ ذلك لو دام ولم يُتَدَارَكْ بِنَصْبِ سلطانٍ آخَرَ مُطَاعٍ دام الهرج، وعَمَّ السيف، وشمل القحط، وهلكت المواشي، وبطلت الصناعات، وكان كلُّ مَن غَلَبَ سَلَبَ، ولم يتفرغ أحدٌ للعبادة والعِلم إنْ بَقِيَ حَيًّا، والأكثرون يَهلِكون تحت ظِلال السيوف، ولهذا قيل: الدين والسلطان تَوأمان، ولهذا قيل: الدِّين أُسٌّ والسلطان حارس، وما لا أُسَّ له فَمَهْدُومٌ، وما لا حارس له فَضَائِعٌ» اهـ.

ولكي يتمكن وليُّ الأمر مِن القيام بدَوره؛ أوجَب اللهُ طاعتَه؛ حيث في طاعته اجتماعُ الكلمة، وانتظامُ المعاش، وتحقيقُ مصالِـحِ العباد في أنفسهم وأموالهم ودِينهم؛ قال الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 59].

وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ، وَمَنْ يَعْصِنِي فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي» متفقٌ عليه مِن حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

وأخرج الستة عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «السَّمْعُ والطَّاعَةُ عَلَى الْـمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ وَكَرِهَ، مَا لَمْ يُؤمَرْ بِمَعْصِيَةٍ، فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ».

وقد أجمع الفقهاء على أنَّ طاعة وليِّ الأمر فيما يأمر به واجبةٌ ولو كان فيما يُكرَه أو يُتَرَدَّد في صحته - ما لم يكن ذلك معصيةً بالإجماع أو كفًرا بواحًا -؛ لأن الأمر بطاعته ثابتٌ بنَصٍّ قطعيٍّ، فلا يدفعه تردُّدٌ أو كراهةٌ، ولأنَّ مفسدة معصيته أشدُّ مِن مفسدة طاعته لو كان مخطئًا.

حدود ولي الأمر في تقييد المباح

وتابع فضيلة مفتي الجمهورية: لَمَّا كانت مصالح العباد في معاشهم ومعادهم لا تتحقق إلا بالتكامل والتعاون بينهم وبين مَن يَلُونَ أُمورَهم، فإنَّ وليَّ الأمر بما منحه الله من السلطة وما يتبعها من القدرة على الاطلاع على خفايا الأمور وظواهرها، وما يصلح فيها وما يفسدها، أباح له الشرعُ سَنَّ القوانين ووضع الضوابط وإصدار القرارات، إلا أنه قيَّد ذلك كله بالمصلحة.

فالقاعدة العامة في تصرفات وليِّ الأمر «أنها منوطةٌ بالمصلحة»؛ كما قال الإمام السيوطي في (الأشباه والنظائر)، ثم قال: «هذه القاعدة نَصَّ عليها الشافعي، وقال: "مَنْزِلَةُ الإمام مِنَ الرَّعِيَّةِ مَنْزِلَةُ الوليِّ مِنَ اليتيم"، وأصلُ ذلك: ما أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" قال: حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه: "إني أنزلتُ نفْسي مِن مال الله بمَنْزِلَةِ والِي اليتيم، إِنِ احتجتُ أخذتُ منه، فإذا أيْسَرْتُ رَدَدْتُهُ، فإِنِ استَغْنَيْتُ استَعْفَفْتُ"» اهـ.

والمراد بالمصلحة هنا: المصلحة الشرعية المعتبرة أو المرسلة بضوابطها، لا الملغاة.

والمصلحةُ المنوطُ بِوَلِيِّ الأمر القيامُ بها تكون لعُموم مَن تحته لا لفرْدٍ بعينه؛ ولذا وجب على وليِّ الأمر - وكذا نُوَّابُهُ - قَصْدُ مصلحة عموم المسلمين، وتقديمُ المصالح الأخروية على الدنيوية، بما أُسنِدَ إليه مِن أمرِ رعاية شؤون الناس؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ» متفق عليه.

حكم البيع والشراء

وأكد فضيلة المفتي، أن الأصل في البيع والشراء أنهما مُباحان لا إيجاب على المكلف فيهما؛ لقول الله تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، وذلك يقتضي أن الإنسان حرٌّ فيما يبيعُه أو يشتريه، إلا إذا كان شيئًا محرَّمًا، فالأصل أنه يحرم التعامل فيه بالبيع أو الشراء.

فإذا اقتضَت المصلحة العامة تقييد هذا المباح في زمنٍ معيَّنٍ؛ لدفع الضرر عن عموم الناس، وتحقيق المصالح لهم في أمور معاشهم، كان لوليِّ الأمر أن يُقيده؛ بمعنى: أنَّ له الحقَّ في تقييد مَن يكون له البيع أو الشراء، ثم إلزام الناس بهذا التقييد بمقتضى الصلاحية التي أعطاها له الشرع، وهذا مِن قَبيل السياسة الشرعية التي تُقَدَّم فيها المصلحةُ العامة على المصلحة الخاصة.

بل إذا تعلق الأمر بطعام الناس وأقواتِهِم وحاجَاتِهِم الضرورية التي لا غنى لهم عنها، وكان السبيل إلى دفع الضرر عنهم في ذلك هو تقييد حركة البيع والشراء في شيء منها، كان التقييدُ حينئذٍ آكَدَ وأَوْلَى؛ لأنَّ طعام الناس وأقواتَهُم مِن أهَمِّ الضروريات التي يجب الحرص عليها ويَحرم التهاون بها، إذ هي عصب الحياة التي لا تستقيم إلا بها، وفي الحفاظ عليها حياةٌ للنفوس، وفي تضييعها تضييعٌ للنفوس، وحفظ النفس من أوجب الواجبات، بل هو أسمى المقاصد التي جاء الشرع الشريف بحفظها، ولهذا وجب على وليِّ الأمر أن يتخذ مِنَ المقوِّمات والاحترازات ما يضمن به الحفاظ على أقوات رَعِيَّتِهِ؛ إذ قد تقرر في علم الأصول أنَّ «ما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ»؛ كما في (المحصول) للإمام الرَّازِيِّ، و(الإحكام) للإمام الآمِدِيِّ، و(قواعد الأحكام) لسلطان العلماء العِزِّ بن عبد السلام، و(الفروق) لشهاب الدين القَرَافِيِّ.

ولأهمية هذا المقصد النبيل، فقد حرص سيدنا النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم على ترسيخه وبيانه لأُمَّتِهِ تمَام البيان، فكان صلى الله عليه وآله وسلم أوَّلَ مَن قيَّد المباح لأَجْلِهِ، وذلك أنه لَمَّا دخل بعضُ الفقراء المدينةَ أيام الأضحى، نَهَى عن ادِّخارِ لحومِ الأضاحي فوق ثلاثة أيامٍ في هذا العام بخصوصه حتى يُتصدق به؛ فَيَطْعَمَ الناسُ ويُكفَى المحتاجون.

القمح أهم أقوات المصريين

وأكد مفتي الديار المصرية، أنه لَمَّا كان القمحُ أَهَمَّ أقوات المصريين، حَظِيَ أمرُ إدارته بعنايةٍ خاصةٍ مِمَّن وَلُوا مصر على مَرِّ العصور وتعاقُب الدهور، بل لأهميته قيَّض المولى سبحانه وتعالى لأهل مصر نبيًّا مِن أنبيائه لإدارة شأنه على وجه الخصوص، وهو نَبِيُّ الله يوسف عليه السلام، فوضع لإدارته نظامًا مُحْكَمًا، وقانونًا مُرَتَّبًا، مِن بداية الحرث والغرس، وحتى الحصاد والتخزين والاستهلاك؛ قال تعالى على لسان نَبِيِّهِ يوسف عليه السلام: ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف: 47‑49].

وقد قرر الفقهاء حقَّ وليِّ الأمر في مَنْع الطَّحَّانِين مِن شراء القمح جملةً بقَصْد طَحْنِه وبَيْعِهِ للناس دقيقًا تَجزئةً طلبًا للرِّبح وتيسيرًا على المستهلِكِين للاستعمال الفردي إذا كان هذا الفِعل سوف يؤدي إلى غُلُوِّ سِعره على عامة الناس، أو عدمِ حصول الكفاية في المِرفق الذي هو لعموم الناس كالخبز مثلًا.

وعلى هذا الهَدْي سار المصريون، وزخر التاريخ المصري بالتنظيمات الإدارية والإجراءات الضبطية في هذا الشأن، ومن ذلك: ما جاء في حوادث سنة (818) هجرية/ 1415 ميلادية: أنه قد حدث غلاءٌ في سعر القمح، حتى تزاحم الناس على الأفران، فـ"تصدَّى السلطان بنَفْسِهِ للنَّظَر في الأسعار، وعمل معدَّل القمح، وقد بلغ سعر الإرْدَبِّ منه أَزْيَدَ مِن ستمائة درهم إنْ وُجِدَ، والإرْدَب الشعير إلى أربعمائة درهم، فانْحَطَّ السعر لذلك قليلًا، وسَكَنَ رَوْعُ الناس؛ لِكَوْن السلطان يَنظُر في مَصالحهم"؛ كما قال جمال الدين ابن تَغْرِي بَرْدِي في "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة" (14/ 39، ط. دار الكتب المصرية)، ثم عَقَّب بقوله: [فلهذا وأبيكَ العملُ، ولَعَلَّ اللهَ سبحانه وتعالى أن يغفر للمؤيَّد ذُنوبَه بهذه الفعلة؛ فإن ذلك هو المطلوب مِن الملوك، وهو حسن النظر في أحوال رعيتهم] اهـ.

وعلى هذا الأصل العام لقواعد الشرع الشريف وهذه الإجراءات التنظيمية الْـمُتَّبَعَة على مَرِّ القرون وتعاقُب الحوادث وما سار عليه المصريون -جاء قرار وزارة التموين والتجارة الداخلية رقم (٦٧) لسنة ٢٠٢٣م بشأن استلام القمح المحلي (موسم حصاد عام ۲۰۲۳م) وتنظيم تداوُلِهِ والتعامل عليه، وحظر استخدامه أو حيازته بغرض الاستخدام في مكونات الأعلاف.

حكم بيع القمح كبديل للعلف الحيواني

وأوضح فضيلة المفتي، أن بيع القمح المحلي في السوق السوداء لاستخدامه في العلف الحيواني أو كبديلٍ له - أمرًا ممنوعًا شرعًا؛ لأن فيه مخالفةً لقرار ولي الأمر في هذا الشأن، ولما فيه من تضييقٍ على الناس؛ حيث يؤدي ذلك إلى قِلَّةِ المخزون الإستراتيجي مِن القمح، مما يسبب في تفاقم الأزمات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، بل قد يؤدي إلى العجز عن توفير الدعم اللازم من الأقوات للمستحقين، فيتضرر المواطن ويتأذى في أهم حاجاته وهي قوته وغذاؤه.

والواجب على كل مواطنٍ عند الأزمات والمحن أن يتكاتف ويتعاون مع أبناء مجتمعه، وأن يبذل ما لديه لِسَدِّ خُلَّتِهِم، لا أن يستغل حاجتهم وفاقَتَهم، فليس ذلك مِن شِيَمِ الرجال، فإنَّ معادن الرجال تظهر عند الأزمات والشدائد، وللمصريين في فِعل الأَشعَرِيِّين رضي الله عنهم مَثَلٌ أعلى؛ فقد روى الشيخان في (صحيحيهما) عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الغَزْوِ أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بِالْمَدِينَةِ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ فِي إِنَاءٍ وَاحِدٍ بِالسَّوِيَّةِ، فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ».

فإذا غلب على بعض الناس طبْع الجَشَع واستَغَلُّوا ما يحدث للناس مِن أزماتٍ خاصة فيما يتعلق بأقواتهم، فخالفوا أمْر ولي الأمر وباعوا القمح في السوق السوداء، فإنهم بذلك قد جمعوا مِنَ الإثم أبوابًا كثيرة؛ حيث افتأتوا على ولي الأمر، وشاركوا في تفاقُمِ الأزمة، وارتفاعِ الأسعارِ، واستغلالِ حاجَةِ الناسِ، وضيَّقوا عليهم في معاشِهِم وقُوتِهِم، ويستحقون حينئذٍ المؤاخذة في الدنيا والآخرة؛ حيث ينطبق عليهم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ دَخَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ أَسْعَارِ الْمُسْلِمِينَ لِيُغْلِيَهُ عَلَيْهِمْ، فَإِنَّ حَقًّا عَلَى اللهِ أَنْ يُقْعِدَهُ بِعُظْمٍ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

تابع موقع تحيا مصر علي