عاجل
الإثنين 06 مايو 2024 الموافق 27 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

دار الإفتاء توضح حكم بيع محصول التمر قبل حصاده

جني محصول التمر
جني محصول التمر

ورد سؤال إلى دار الإفتاء، يقول السائل فيه: أمتلك مزرعة نخيل فيأتي أحد الأشخاص في بداية الموسم فيتفق معي على أن يشتري مني الثمرة، ويدفع لي ثمنها، على أن أتحمل كلَّ تكاليف الزرع، ويتم تحديد موعد للتسليم، وفي الموعد المحدد أسلمه المحصول المتفق عليه؛ فما حكم هذه المعاملة شرعًا؟

حكم بيع محصول التمر قبل حصاده

وأوضحت دار الإفتاء، أن هذه المعاملة صحيحة شرعًا ولا حرج فيها، سواء تم التعاقد فيها قبل ظهور الثمر على النخيل (في بداية الموسم)، وحينئذٍ تكون من قبيل السَّلَم؛ والذي يَتِمُّ فيه الاتفاق على المبيع (وهو التمر) ووصفه بما ينفي الجهالة عنه، فإذا حَلَّ الوقت وكانت الثمار مطابقةً للشروط والمواصفات التي اتفق عليها الطرفان مِن قَبْل؛ استَحَق المشتري الثَّمَر بمقتضى المطابقة للمواصفات والشروط، مع اشتراط أن يكون أجَلُ تسليم المبيع فيه معلومًا للمتعاقدين؛ إما حقيقة أو حكمًا.

وسواء كانت الثمرة عند التعاقد قد ظهرت على النخيل لكن لم يبدُ صلاحها، فيجوز التعاقد عليها أيضًا بشرط أن يكون ذلك بلا شرط، وأن يكون الثمر منتفعًا به في الحال أو المآل، أو بشرط القطع؛ خاصة فيما يُتَّخذ لأغراضٍ أخرى غير التمر الناضج.

بداية مواسم قطف ثمار التمر

وأشارت دار الإفتاء، إلى أنه بالرجوع إلى الخبراء في معرفة بداية مواسم قطف ثمار التمر ونهايتها: أفادوا أنَّه بعد انتهاء موسم الحصاد وجمع التمر، يبدأ المزارعون في تقليم النخل، وبعدها بمدة تبدأ عملية تصليح النخل (أي شق التمر)، وبعد ذلك يبدأ التمر بالظهور باللون الأخضر قبل أن يبدو صلاحه بالاحمرار أو الاصفرار، وفي هذه الفترة من الممكن أن يأتِيَ شخص يُقَيم النخل يعني: يقدر بخبرته الكميات التي على النخلة الواحدة، وعلى مجموع التقييم أو الخَرْص يكون التعاقد، وغالبًا ما يكون التعاقد على أنَّ أجرة التقليم والتصليح والجمع والمقوِّم وما إلى ذلك: تكون على صاحب النخل.

مذاهب الفقهاء في حكم بيع محصول التمر قبل حصاده

وأكدت دار الإفتاء، أن عملية جني ثمار التمر وإن كانت تتم غالبًا قبل النضوج إلَّا أنها لا تحدث إلَّا بعد اكتمال النمو، وأنَّ التعاقد عليها إمَّا أن يتم قبل ظهور الثمار (أي: بعد عملية التقليم)، وإمَّا أن يكون بعد ظهور الثمار باللون الأخضر (أي: في مرحلة البسر).

فالصورة الأولى -التي يحصل فيها التعاقد في بداية الموسم وقبل ظهور الثمار- تُكيَّف على أنها عقدُ سَلَمٍ، الذي هو شراء آجِلٍ بعاجِلٍ، وهو عبارة عن بيع شيءٍ موصوف في الذمة ببدلٍ يُعطى عاجلًا، وهذه خاصته المتفق عليها، وقد سُمي سَلَمًا لتسليم رأس المال في المجلس، وسَلَفًا لتقديم رأس المال؛ كما في "رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (5/ 209، ط. دار الكتب العلمية)، و"مغني المحتاج" للإمام الخطيب الشربيني الشافعي (3/ 3-4، ط. دار الكتب العلمية)، و"كشاف القناع" للعلامة البُهُوتِي الحنبلي (3/ 285، ط. دار الكتب العلمية).

وطريقة السَّلَم في هذه الصورة: أَنْ يتِمَّ الاتفاق على المبيع ووصفه بما ينفي الجهالة عنه، فإذا حَلَّ الوقت وكانت الثمار مطابقةً للشروط والمواصفات التي اتفق عليها الطرفان مِن قَبْل؛ استَحَق المشتري الثَّمَر بمقتضى المطابقة للمواصفات والشروط، وإلَّا وجب على البائع توفير ما يُوفِّي بما اتفق عليه من المواصفات.

والأصل في مشروعية السَّلَم: قولُه تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ﴾ [البقرة: 282]، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: "نَزَلَتْ فِي السَّلَمِ".

وما رواه البخاري ومسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِفُونَ فِي الثِّمَارِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ، فَقَالَ: «مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ».

وقد ثبت الإجماع على مشروعية السَّلَم لحاجة الناس إليه؛ كما أفاده الإمام الكمال بن الهمام في "فتح القدير" (7/ 71، ط. دار الفكر).

والسَّلَم عند جماهير أهل العلم جائزٌ في كلِّ مالٍ يجوز بَيْعُهُ وَتُضْبَطُ صِفَاتُهُ، أما ما لا يمكن ضبط صفاته من الأموال فلا يصح السَّلَم فيه؛ لأنه يُفضِي إلى المنازعة والمشاقة، وعدمها مطلوبٌ شرعًا.

هل يعتبر هذا البيع بيع معدوم؟

وتابعت دار الإفتاء: فإن قيلَ: إنَّ هذا البيع يعتبر بيع معدوم، وقد نهى الشرعُ الشريف عن بيع المعدوم؛ فقد روى أصحاب "السنن" عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَأْتِينِي الرَّجُلُ فَيُرِيدُ مِنِّي الْبَيْعَ لَيْسَ عِنْدِي، أَفَأَبْتَاعُهُ لَهُ مِنَ السُّوقِ؟ فَقَالَ: «لَا تَبِعْ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ». فدل الحديث على عموم النهي عن بيع أي شيء قبل قبضه وحيازته، وقبل تحقق القدرة الفعلية على تسليمه، ويدخل في هذا من باب أولى بيع المعدوم.

وفي رواية: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي أَشْتَرِي بُيُوعًا، فَمَا يَحِلُّ لِي مِنْهَا وَمَا يُحَرَّمُ عَلَيَّ؟ قَالَ: «فَإِذَا اشْتَرَيْتَ بَيْعًا فَلَا تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ» أخرجها الإمام أحمد في "مسنده".

قُلنـا: لا تعارض بين النهي عن بيع المعدوم، وبين جواز السلف في كيلٍ معلومٍ إلى أجلٍ معلوم؛ قال الإمام الشافعي في "الأم" (5/ 174، ط. دار المعرفة): [إذا احتمل الحديثان أن يُستعملا لم يُطرح أحدهما بالآخر.. نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حكيم بن حزام رضي الله عنه عن بيع ما ليس عنده، وأرخص في أن يسلف في الكيل المعلوم إلى أجل معلوم] اهـ.

وإن قيل: لا يصح السَّلَم في خصوص البلح حتى يصلح ويؤكل منه؛ فقد أخرج البخاري عن أبي البختري قال: سألت ابن عمر عن السَّلَم في النخل قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع النخل حتى يصلح.. الحديث". وسألت ابن عباس رضي الله عنهما عن السَّلَم في النخل فقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع النخل حتى يؤكل منه، أو يأكل منه وحتى يوزن"، وبذلك "ثبت عن هذين الصحابيين الكبيرين في العلم والتتبع أنهما فهما من نهيه عن بيع النخل حتى يصلح بيع السَّلَم، فقد دلَّ الحديث على اشتراط وجوده وقت العقد، والاتفاق على اشتراطه عند المحل" كما في "فتح القدير" للكمال ابن الهمام (7/ 82).

قلنـا: التكييف المختار في صحة هذه المعاملة على أنها سَلمٌ قائمٌ على الاعتبار بأن ثمر النخيل (محل التعاقد) مأمون الوجود في وقت طلبه بحسب العادة، وهو وقت الحصاد أو القطع، مع قدرة صاحب النخيل على تسليمه حينئذٍ، ولا خلاف في اشتراطها -أي القدرة على التسليم-.

والدليل على ذلك: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجد أهل المدينة المنورة يُسْلِفون في الثمار السَّنَة والسنتين وأكثر، والمراد به التعاقد على ثمرٍ غير موجود، فذكر صلى الله عليه وآله وسلم شرط السَّلَم ولم يذكر الموجود حيث قال: "مَن أسلم فليسلم في كيلٍ معلوم، ووزنٍ معلوم إلى أجلٍ معلوم".

بمعنى أن الطرفين عندما يتفقان على بيع وشراء ثمرة البلح في بداية الموسم -كما هي مسألتنا- يقع اتفاقهما بحسب العرف على شيء مضبوط بالوصف، مأمون الوجود، ومقدور على تسليمه وقت طلبه؛ ومن ثَمَّ جاز كالموجود عند العقد؛ لأن "القدرةَ تُراد لوقتِ المطالبة عند المحلِّ، ولا مطالبة قبل المحلِّ فلا تعتبر القدرة فيه.. فإذا باع غائبًا صح مع احتمال تلفه لكن القدرة عليه مستبقية، فاستصحب فيها الحال"؛ كما قال العلامة أبو شجاع ابن الدَّهان في "تقويم النظر" (2/ 353، ط. مكتبة الرشد).

معنى أن يكون أجل التسليم معلومًا للمتعاقدين

وأضافت دار الإفتاء، أنه كون أجل التسليم معلومًا للمتعاقدين لا يخلو من إحدى حالتين؛ الأولى: أن يكون معلومًا لهما بتحديد يومٍ معينٍ أو شهرٍ معينٍ ونحو ذلك.

والثانية: أن يكون معلومًا لهما بالعرف؛ كتسليم الزرع عِنْدَ حَصَادِه أو قطعه مثلًا -كما هي مسألتنا-.

ولا خلاف بين الفقهاء في صحة عقد السَّلَم في الحالة الأولى التي يكون أجل التسليم فيها معلومًا للمتعاقدين بتحديد يومٍ معينٍ أو شهرٍ معينٍ ونحو ذلك.

أما الأجل الذي قد يتغير؛ كحصاد الزرع ونحوه في الحالة الثانية فمفسدٌ للعقد عند جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة في معتمد مذهبهم.

تابع موقع تحيا مصر علي