عاجل
الجمعة 13 ديسمبر 2024 الموافق 12 جمادى الثانية 1446
رئيس التحرير
عمرو الديب

مكانة الصلاة في الإسلام وحكم تاركها هل يخرج عن الملة؟

فضل الصلاة
فضل الصلاة

ما مكانة الصلاة في الإسلام وحكم تاركها ؟ الصلاة عماد الدين وأحد أركان الإسلام الخمسة، وتعد أفضل الأعمال وأحبها إلى الله سبحانه وتعالى بعد الشهادتين، ويجب على الأبوين تشجيع أولادهم للحفاظ على أداء الصلوات، حث الإسلام الآباء والأمهات بالإحسان للاطفال والعمل على حسن تربيتهم وتنشئتهم تنشئة قائمة على الأخلاق الفاضلة، وعلى أداء العبادات، ويكون ذلك عبر تعويدهم على الصلاة، وتعليمهم إياها، وأمرهم بآدائها بعد التعلم.

 

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع»، كما يمكن غرس الصلاة في نفوس الأطفال منذ سن مبكرة، وذلك من خلال شراء ملابس الصلاة للبنت، وتخصيص سجادة صلاة للولد، فهذه من أبسط الطرق وأيسرها لتحبيب الطفل بالصلاة.

 

كيفية الصلاة


يتم تعليم الصلاة للأطفال عند تكليفهم من خلال اتباع الخطوات الآتية:
- استقبال القبلة دون الانحراف أو الالتفات.
- النية في الصلاة، وتكون من خلال النية بالقلب من غير النطق بها.
- تكبيرة الإحرام، وتكون من خلال قول (الله أكبر) ويجب رفع اليدين نحو المنكبين أثناء التكبير.
- وضع كف اليد اليمنى على ظهر اليسرى فوق صدره.
- الاستفتاح، وقول: «اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد»، أو يقول:«سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك».
- الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم وصيغتها : «أعوذ بالله من الشيطان الرجيم».
- البسملة وقراءة سورة الفاتحة.
- قراءة ما تيسر من القرآن الكريم. 
- الركوع، ويعني إنحناء ظهره تعظيما لله – تعالى-، والتكبير عند الركوع، ورفع يديه إلى جهة منكبيه. 
- الدعاء في الركوع بقوله: «سبحان ربي العظيم» ثلاث مرات. 
- رفع الرأس من الركوع، وقول: «سمع الله لمن حمده»، ثم يرفع يديه إلى جهة منكبيه.
- القول بعد ذلك «ربنا ولك الحمد، ملء السماوات والأرض وملء ما شئت من شيء بعد». 
- السجود، ويكون السجود الأول بخشوع، وقول: «الله أكبر»، والسجود على الأعضاء السبعة، وهي: الجبهة، والأنف، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين، ومجافاة العضدين على الجانبين، وعدم بسط الذراعين على الأرض، واستقبال القبلة برؤوس الأصابع.
- قول «سبحان ربي الأعلى» ثلاث مرات في السجود.
- رفع الرأس من السجود وقول: «الله أكبر».
- الجلوس بين السجدتين على القدم اليسرى، ونصب القدم اليمنى، ووضع اليد اليمنى على طرف فخذه الأيمن مما يلي ركبته، ويقبض إصبعي الخنصر والبنصر، ويرفع السبابة ويحركها عند دعائه، ويقرن طرف الإبهام بطرف الوسطى مثل الحلقة، وتوضع اليد اليسرى مبسوطة الأصابع على طرف الفخذ الأيسر مما يلي الركبة.
- قول:«رب اغفر لي وارحمني واهدني وارزقني واجبرني وعافني» في الجلوس بين السجدتين.
- السجود الثاني مثل السجود الأول تماما بالقول وبالفعل.
- القيام من السجدة الثانية، وقول: «الله أكبر»، وصلاة الركعة الثانية كما تمت صلاة الأولى، ولكن من دون الاستفتاح فيها.
- الجلوس بعد الانتهاء من الركعة الثانية، وقول: «الله أكبر»، والجلوس كما تم الجلوس بين السجدتين. 
-قراءة التشهد والصلاة الإبراهيمية، وصيغتها «التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد». 
- التسليم على جهة اليمين، وقول: «السلام عليكم ورحمة الله»، ثم التسليم على جهة اليسار وتكرار القول الأول.

 

مكانة الصلاة ومنزلتها في الإسلام

الصلاة ركن من أركان الإسلام، ومنـزلتها من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، وقد عني الإسلام في كتابه وسنته بأمرها، وشدد كل التشديد في طلبها؛ قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النساء: 103]، وقد حذر أعظم التحذير من تركها، فالصلاة عمود الدين، أي: كمثل العمود للخيمة، ولا تبقى الخيمة قائمة بدون عمود، فكذلك لا يستقيم الإسلام بدون صلاة، جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ».

وقد بلغ من عناية الإسلام بها أن أمر المسلمين بالمحافظة عليها في الحضر والسفر، والأمن والخوف، والسلم والحرب، حتى عند اشتداد الخوف حين يكون المسلمون في المعركة أمام العدو؛ قال تعالى: ﴿حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لله قَانِتِينَ ۞ فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 238-239]، أي: فصلوا حال الخوف والحرب، مشاة أو راكبين كيف استطعتم، بغير ركوع ولا سجود، بل بالإشارة والإيماء، وبدون اشتراط استقبال القبلة؛ للضرورة هنا؛ قال تعالى: ﴿وَللهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: 115].

وما نراه من منكر عظيم يقع لكثير من الناس، يتمثل في تركهم للصلاة التي هي بهذه المكانة، فلا يعدو أن يكون لأحد أمرين: إما جحودًا لها، وإما تكاسلًا عنها، فتارك الصلاة إن كان منكرًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين خارج من ملة الإسلام؛ لأنها من المجمع عليه المعلوم من الدين بالضرورة، إلا أن يكون قريب عهد بالإسلام ولم يخالط المسلمين مدة يبلغه فيها وجوب الصلاة عليه.

قال الإمام النووي في "المجموع" (3/ 14، ط. دار الفكر): [إذا ترك الصلاة جاحدًا لوجوبها، أو جحد وجوبها ولم يترك فعلها في الصورة فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين ... ويترتب عليه جميع أحكام المرتدين، وسواء كان هذا الجاحد رجلًا أو امرأة، هذا إذا كان قد نشأ بين المسلمين، فأما من كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ ببادية بعيدة من المسلمين بحيث يجوز أن يخفى عليه وجوبها، فلا يكفر بمجرد الجحد، بل نعرفه وجوبها، فإن جحد بعد ذلك كان مرتدًّا] اهـ.

وأما إن ترك الصلاة تكاسلًا مع اعتقاده وجوبها -كما هو حال كثير من الناس- فإنه لا يكفر، بل يفسق ويستتاب من قِبل القضاء، وإلى هذا ذهب مالك والشافعي -راجع: "منح الجليل شرح مختصر خليل" (1/ 195، ط. دار الفكر)، و"مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (1/ 612، ط. دار الكتب العلمية)- وجماهير السلف والخلف، ودليلهم عموم قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ [النساء: 48]، فالآية تثبت أن الذنب الوحيد الذي قطع الله عز وجل بعدم غفرانه هو الشرك بالله، أما ما دون ذلك فقد يغفره الله، وترك الصلاة تكاسلًا دون جحود ذنب دون الشرك بالله.

 

عدم تكفير تارك الصلاة تكاسلًا

ومن الأدلة على عدم تكفير تارك الصلاة تكاسلًا أيضًا، ما أخرجه أبو داود والنسائي ومالك في "الموطأ" عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه بقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «خَمْسُ صَلَواتِ كتَبهنَّ اللهُ على العِباد، فمن جاءَ بهن لم يُضَيعْ منهُن شيئًا استخفافًا بحقهنَّ كان له عندَ الله عَهدٌ أن يُدْخِلَه الجَنَّة، ومَنْ لم يأتِ بهِن، فلَيسَ له عندَ الله عهد: إن شاءَ عَذبه، وإن شَاءَ أدْخَلَه الجَنة».

فتاركها كسلًا هنا أمره مفوض إلى الله، إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة، وهذا دليل على عدم كفره، ولهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة ويورثونه، ولو كان كافرًا لا يغفر له لم يرث ولم يورث.

ومنها ما جاء في "الصحيحين" عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، وَيَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ».

ومنها ما جاء في "صحيح البخاري" عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله، من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلُنِي عَنْ هَذَا الحَدِيثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيثِ، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ، مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ خَالِصًا مِنْ قَلْبِهِ أَوْ نَفْسِهِ».

وفي "صحيح البخاري" عن أبي ذر رضي الله تعالى عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ، فقال: «مَا مِنْ عَبْدٍ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، ثُمَّ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ، إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ» قُلْتُ: وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ؟ قَالَ: «وَإِنْ زَنَى وَإِنْ سَرَقَ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ أَبِي ذَرٍّ»، وكان أبو ذر رضي الله عنه إذ حدث بهذا قال: "وإن رغم أنف أبي ذر".

وجاء في "صحيح البخاري" عن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ».

ووجه الدلالة من هذه الأحاديث أنها تمنع من تكفير المسلم تارك الصلاة كسلًا؛ لأنه مقر بالشهادتين وبوجوب الصلاة عليه، ولهذا لا يخلد في النار؛ لأنه من المسلمين، وتوجب من الرجاء له ما يرجى لسائر أهل الكبائر، قالوا: ولأن الكفر جحود التوحيد وإنكار الرسالة والمعاد وجحد ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وهذا يقر بالوحدانية شاهدًا أن محمدًا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله، مؤمنًا بأن الله تعالى يبعث من في القبور، فكيف يحكم بكفره؟

قال العلامة ابن عبد البر في "التمهيد" (4/ 239، ط. وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية - المغرب): [ومما يدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر كفرًا ينقل عن الإسلام إذا كان مؤمنا بها معتقدًا لها، حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أُمِرَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللهِ أَنْ يُضْرَبَ فِي قَبْرِهِ مِائَةَ جَلْدَةٍ، فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُ اللهَ وَيَدْعُوهُ حَتَّى صَارَتْ جَلْدَةً وَاحِدَةً، فَامْتَلَأَ قَبْرُهُ نَارًا، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: عَلَامَ جَلَدْتُمُونِي؟ قَالُوا: إِنَّكَ صَلَّيْتَ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ، وَمَرَرْتَ عَلَى مَظْلُومٍ فَلَمْ تَنْصُرْهُ»، قال الطحاوي: في هذا الحديث ما يدل على أن تارك الصلاة ليس بكافر؛ لأن من صلى صلاة بغير طهور فلم يصلِّ وقد أجيبت دعوته، ولو كان كافرًا ما أجيبت له دعوة؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول: ﴿وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ﴾ [غافر: 50] اهـ. انظر: "شرح مشكل الآثار" (8/ 212، ط. مؤسسة الرسالة).

قال العلامة ابن قدامة في "المغني" (2/ 332، ط. مكتبة القاهرة).: [أما الأحاديث -أي التي استدل بها من قال بكفر تارك الصلاة- فهي على سبيل التغليظ والتشبيه له بالكفار لا على الحقيقة؛ كقوله عليه الصلاة والسلام: «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ»...، وقوله عليه الصلاة والسلام: «مَنْ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ؛ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا»...، وقوله: «وَمَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْكَوَاكِبِ؛ فَهُوَ كَافِرٌ بِاَللهِ، مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ»...، وأشباه هذا مما أريد به التشديد والوعيد] اهـ.

وقال الإمام النووي في "المجموع" (3/ 14): [من ترك الصلاة غير جاحد؛ قسمان: أحدهما: تركها لعذر كنوم ونسيان ونحوهما، فعليه القضاء فقط، ووقته موسع، ولا إثم عليه، والثاني: تركها بلا عذر تكاسلًا وتهاونًا فيأثم بلا شك] اهـ.

وذهب جماعة من العلماء إلى أنه يكفر، وهو مروي عن علي رضي الله عنه. انظر: "التمهيد" لابن عبد البر (4/ 225)، و"المغني" (2/ 157)، و"نيل الأوطار" (1/ 361)، والصحيح من إحدى الروايتين عن أحمد بن حنبل. انظر: "كشاف القناع" (1/ 228-229)، و"مطالب أولي النهى" (1/ 282)، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي. انظر: "المجموع" (3/ 16-17)؛ مستدلين بقوله تعالى: ﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 11]، ووجه الدلالة من الآية أن الله تعالى اشترط لثبوت الأخوة بيننا وبين المشركين إقام الصلاة، فمن لم يقم بها فلا يعد أخًا لنا في الدين.

ويستدلون أيضًا بما أخرجه مسلم في "صحيحه" عن جابر قال: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ»، فظاهر الحديث يوضح أن الصلاة هي العلامة الفارقة بين الإسلام والكفر، فمن تركها انتقل من الإسلام إلى الكفر.

وأجيب عن الاستدلال بقوله تعالى: ﴿فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: 11] بوجهين:
الوجه الأول: قال الإمام ابن عطية في تفسيره "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز" (3/ 11، ط. دار الكتب العلمية): [قوله: ﴿تَابُوا﴾ رجعوا عن حالهم، والتوبة منهم تتضمن الإيمان] اهـ.

فإقامة الصلاة مشروطة ومسبوقة بالتوبة التي هي متضمنة للإيمان؛ إذ ذكر الله التوبة قبل ذكر الصلاة أو الزكاة، فدل ذلك على أنها هي قاعدة الأصل في الحكم بأخوة الدين.

وقال الإمام الشوكاني في تفسيره "فتح القدير" (2/ 385، ط. دار ابن كثير). [قوله: ﴿فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ﴾، أي: تابوا عن الشرك الذي هو سبب القتل، وحققوا التوبة بفعل ما هو من أعظم أركان الإسلام، وهو إقامة الصلاة، وهذا الركن اكتفي به عن ذكر ما يتعلق بالأبدان من العبادات، لكونه رأسها، واكتفي بالركن الآخر المالي، وهو إيتاء الزكاة عن كل ما يتعلق بالأموال من العبادات؛ لأنه أعظمها] اهـ.

الوجه الثاني: أنه قرن بالصلاة الزكاة فهل من تاب وأقام الصلاة لكنه لم يزكِّ لا يكون أخًا في الدين عليه ما على المسلمين وله ما للمسلمين؟ إن قيل: لا، بل هو أخ في الدين. قلنا: ما هو دليل التفريق في الآية بين الصلاة والزكاة وهما مذكورتان بالترتيب والتساوي عقيب التوبة؟ وإن قيل: ليس أخًا في الدين. قلنا: هذا باطل من القول بيقين ليس عليه أي دليل.

وأجيب عن حديث: «إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ»، بأنه محمول على المستحل، أو على أنه قد يؤول به إلى الكفر، أو أن فعله فعل الكفار. انظر: "نيل الأوطار" للإمام الشوكاني (1/ 361، ط. دار الحديث - القاهرة).

قال ابن حبان في "صحيحه" (4/ 32، ط. مؤسسة الرسالة): [أطلق المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم اسم الكفر على تارك الصلاة؛ إذ ترك الصلاة أول بداية الكفر؛ لأن المرء إذا ترك الصلاة واعتاده، ارتقى منه إلى ترك غيرها من الفرائض، وإذا اعتاد ترك الفرائض أداه ذلك إلى الجحد، فأطلق صلى الله عليه وآله وسلم اسم النهاية -التي هي آخر شعب الكفر- على البداية التي هي أول شعبها وهي ترك الصلاة] اهـ.
فهذا من باب أن العرب تطلق اسم المتوقع من الشيء في النهاية على البداية.

ومما تقدم يتبين لنا أن الواجب على المسلمين التأني والتوقي لا أن يعالجوا كل تارك للصلاة بالوصم بالتكفير والردة بكل شدة؛ إذ الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام -ودخوله في الكفر- لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس النهار، فإنه قد ثبت في "الصحيحين" عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أيما رجل قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما».

وينبغي التعامل برفق ولين مع تارك الصلاة، حتى يعود إلى رشده، ويتوب إلى الله تعالى، ويحافظ على صلاته، لا أن نقطع التعامل معه؛ فيؤدي إلى قطع التعامل مع كثير من الناس؛ لأن هذه المصيبة قد عمت وطمت، وهذا نقيض مقصود الشارع من التعامل مع الناس جميعًا بالأخلاق الحسنة ودعوتهم إلى الله تعالى؛ ففي "صحيح البخاري" عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت: دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالوا: السام عليكم، قالت عائشة: ففهمتها. فقلت: وعليكم السام واللعنة. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «مهلًا يا عائشة، إن الله يحب الرفق في الأمر كله»، فقلت: يا رسول الله، أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «قد قلت: وعليكم».

 

تارك الصلاة جحودا خارج عن ملة الإسلام

وأفادت دار الإفتاء: فتارك الصلاة جحودا خارج عن ملة الإسلام، ومن تركها تهاونًا وتكاسلًا فهو على خطر عظيم، وذنب من كبائر الذنوب، وتضييع للدين، ولكنه ليس بكافر، ويجوز التعامل معه، وينبغي علينا دعوته -إلى المحافظة على الصلاة- برفق ولين؛ يقول تعالى: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125]، وأما مسألة التعزير والشدة فموكولة إلى الحاكم يحكم بها بحسب المصلحة.
 

 

تابع موقع تحيا مصر علي