الرياض وطهران... لقاء الضرورة في زمن التصعيد الإسرائيلي
في خضم التصعيد الإسرائيلي الذي تجاوز حدود غزة ولبنان واليمن وصولاً إلى مياه الخليج، حط أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني في العاصمة السعودية الرياض، في زيارة رسمية تحمل دلالات سياسية وأمنية بالغة.
الاستقبال الذي خصه به ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ترافق مع حضور شخصيات سعودية رفيعة في مقدمتها وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان ورئيس الاستخبارات خالد الحميدان، ليكشف عن طبيعة الملفات الثقيلة المطروحة على الطاولة، في زيارة فرضتها العاصفة الإقليمية التي تنذر بمزيد من الانفجار إذا لم تُستحدث تفاهمات جديدة بين القوى الكبرى في المنطقة.
امتداد لزيارة خالد بن سلمان إلى طهران
وفق تقرير لموقع «إندبندنت عربية»، فإن زيارة لاريجاني لا يمكن فصلها عن تلك التي قام بها وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى طهران في أبريل 2025، حين التقى المرشد الأعلى علي خامنئي وسلمه رسالة من القيادة السعودية.
وضعت الزيارة حجر الأساس لمسار تفاهمات غير مسبوقة شملت قضايا الأمن والدفاع والتجارة، قبل أن تشتعل "حرب الاثني عشر يوماً" بين إيران وإسرائيل. واليوم، يبدو أن طهران تسعى إلى استئناف ما بدأ هناك، بينما تجد الرياض في الحوار وسيلة لتخفيف حدة التوتر الإقليمي ومنع انزلاق المنطقة إلى مواجهة شاملة.
إيران تبحث عن جبهة إسلامية
من الزاوية الإيرانية، تندرج زيارة لاريجاني في إطار مساعٍ لبناء جبهة إسلامية موحدة ضد إسرائيل، فيما أكد الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان أكد خلال لقائه الأخير مع الأمير محمد بن سلمان في الدوحة أن أي عدوان إسرائيلي لن يتجرأ على استهداف دولة إسلامية إذا ما توحدت المواقف.
وحرص الإعلام الإيراني على إبراز ارتياح بزشكيان لتطور العلاقة مع الرياض، مشدداً على استعداد بلاده لتوسيع التعاون السياسي والاقتصادي والإقليمي بما يخدم مصالح الشعوب الإسلامية، وهو الخطاب الذي يعكس رغبة طهران في تعزيز الثقة مع السعودية.
السعودية بين الاستقرار والتنمية
تنظر الرياض إلى هذه التحركات من زاوية مختلفة، إذ تضع الاستقرار في مقدمة أولوياتها، فولي العهد السعودي يسعى إلى ترسيخ بيئة إقليمية أكثر هدوءاً لدعم المشاريع التنموية الكبرى لرؤية 2030، ما يجعل التهدئة السياسية والأمنية خياراً استراتيجياً، في حين أن المملكة لا تتخلى عن ثوابتها السياسية، خصوصاً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، حيث تواصل حشد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية ودفع الأطراف الدولية باتجاه عقد مؤتمر "حل الدولتين" في نيويورك، وهو ما يشكل نقطة افتراق أساسية مع طهران التي تعارض هذا الخيار بشكل صريح.
رسائل متبادلة في ظل التصعيد
زيارة لاريجاني تزامنت مع تصعيد إسرائيلي ميداني ومحاولات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو حرف الأنظار عن الضغوط الدولية عبر عمليات عسكرية في غزة والدوحة، وهذه التطورات دفعت السعودية إلى تكثيف تحركاتها الدبلوماسية للضغط على إسرائيل ووقف الاعتداءات، فيما حاولت طهران استخدام الأزمة للدعوة إلى وحدة إسلامية أوسع، وبرغم اختلاف الأجندات، فإن وجود إدراك مشترك بخطورة التصعيد يجعل استمرار قنوات الحوار أمراً ضرورياً، لاسيما أن أي مواجهة مفتوحة ستصيب أمن الخليج في الصميم.
نحو استراتيجيات جماعية
يرى مراقبون أن اللقاءات السعودية – الإيرانية تمثل خطوة أولى نحو بناء استراتيجيات جماعية للتعامل مع التهديدات المتنامية، فبحسب رئيس مركز الخليج للأبحاث عبدالعزيز بن صقر، فإن أي مستوى من التنسيق بين البلدين يعد خطوة في الاتجاه الصحيح، بالنظر إلى حجم المخاطر الأمنية المشتركة التي تهدد الجميع. وبينما يظل الخلاف حول مستقبل القضية الفلسطينية قائماً، فإن إدراك الرياض وطهران لضرورة التنسيق يعكس تحوّلاً في الوعي السياسي الإقليمي، مفاده أن مواجهة التحديات لا يمكن أن تتحقق إلا عبر شراكات واسعة تتجاوز حدود الخلافات التقليدية.
التحالف السعودي – الباكستاني في الخلفية
تزامن الحوار السعودي – الإيراني مع تعزيز المملكة تحالفها مع باكستان، وهو تحالف يمتد لعقود ويشمل التعاون العسكري والاقتصادي، وخلال السنوات الماضية جرى تطوير مناورات عسكرية مشتركة وتوسيع الاستثمارات في مجالات الطاقة والبنية التحتية. هذا التحالف يعكس حرص الرياض على تنويع شراكاتها الإقليمية وتعزيز موقعها كقوة محورية في معادلة الأمن الإقليمي. وفي لحظة التوتر الحالية، يكتسب البعد الباكستاني وزناً إضافياً باعتباره جزءاً من شبكة واسعة تضم تركيا وإيران، تسعى السعودية عبرها إلى إعادة رسم ميزان القوى في المنطقة لمواجهة التحديات المشتركة.
تطبيق نبض