عاجل
الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

بعد تدميرها.. جامعة الأزهر في غزة من التأسيس بقرار "عرفات" إلى التسوية بالأرض

تحيا مصر

في هجوم جوي إسرائيلي مباشر، دُمّر مبنى جامعة الأزهر في غزة بالكامل صباح الأحد، في تصعيد عسكري طال إحدى أبرز المؤسسات الأكاديمية في القطاع. الجامعة التي تأسست عام 1991 بقرار من الرئيس ياسر عرفات، 

تضم الجامعة أكثر من 15 ألف طالب وطالبة، موزعين على كليات متعددة من الطب والهندسة إلى العلوم والآداب، ورغم حملها لاسم "الأزهر"، فهي ليست تابعة لمؤسسة الأزهر الشريف في مصر، بل جامعة فلسطينية حكومية مستقلة،

جاء القصف أتى في وقت حساس، بعد إعلان حركة حماس موافقتها على مقترح لوقف إطلاق النار طرحته واشنطن، ما أثار تساؤلات حول توقيت الاستهداف ودلالاته. الدمار طال البنية التعليمية، وجمّد العملية الأكاديمية، وترك آلاف الطلبة في مواجهة مصير تعليمي مجهول وسط انهيار متواصل للقطاع التعليمي في غزة.

النشأة.. قرار سياسي واستجابة تعليمية

تأسست جامعة الأزهر في غزة عام 1991 بقرار من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، في سياق تعزيز البنية التحتية للتعليم العالي داخل القطاع، الذي كان يفتقر وقتها لمؤسسات أكاديمية وطنية كبرى، لتأتي الجامعة كاستجابة مباشرة للطلب المتزايد على التعليم الجامعي، وكمحاولة للحد من هجرة الطلبة إلى الخارج، في ظل ظروف الاحتلال وتقييد الحركة.

رغم تسميتها "الأزهر"، فإن الجامعة لا تخضع لأي إشراف من مؤسسة الأزهر في مصر، لا من حيث المناهج ولا الإدارة، هي جامعة فلسطينية حكومية مستقلة إداريًا وماليًا، وتحظى باعتراف وزارة التعليم العالي الفلسطينية، وعضوية في اتحاد الجامعات العربية، بينما الاسم لهذا دلالة رمزية أكثر من كونه تبعية إدارية، وقد أثار هذا الالتباس جدلاً في فترات مختلفة، لا سيما في الإعلام العربي، لكنه حُسم رسميًا مع تأكيد استقلال الجامعة التام.

البنية والموقع والأقسام

كان الحرم الجامعي الرئيس يقع على شارع جمال عبد الناصر، وسط مدينة غزة، يضم المباني الأكاديمية والإدارية والمكتبة والمختبرات، بينما تعرضت البنية خلال السنوات السابقة لأضرار جزئية نتيجة الغارات المتكررة، لكن القصف الأخير دمّر المبنى المركزي بشكل كامل، بما في ذلك الكليات الأساسية.

قبل تدميره، احتوى المبنى الرئيسي على كليات متعددة: كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية، كلية الآداب، كلية التربية، كلية الشريعة، كلية العلوم الطبية المساندة، وغيرها، كما افتُتحت كلية الطب البشري عام 2006، بعد موافقة رسمية من وزارة التعليم العالي الفلسطينية، لتكون أول كلية طب داخل القطاع، في وقت كانت فيه خدمات الرعاية الصحية تعاني نقص الكوادر.

كما امتلكت الجامعة فرعًا منفصلًا لكلية الهندسة والبيئة، إضافة إلى مقر لكلية العلوم، تم إنشاؤهما في مواقع مختلفة داخل المدينة بسبب ضيق المساحة في المقر الرئيس، وهو تزيع جغرافي فرضه الواقع العمراني والأمني في القطاع.

نظام التعليم والقبول

تعتمد جامعة الأزهر في غزة على نظام الساعات المعتمدة، وتُقبل الطلبة على أساس نتائج الثانوية العامة (التوجيهي) حسب التخصصات، واللغة الأساسية للتدريس هي العربية، باستثناء بعض المواد في كليات مثل الطب والهندسة التي تُدرّس بالإنجليزية، والدراسة كانت تتم وفق تقويم جامعي نصف سنوي، مع فصول صيفية اختيارية.

رغم ظروف الحصار، عملت الجامعة على إدخال التعليم الإلكتروني منذ عام 2020، خاصة خلال جائحة كورونا، لكنها واجهت مشكلات تقنية مستمرة تتعلق بانقطاع الكهرباء وضعف شبكة الإنترنت، وكذلك اعتمدت الجامعة على كادر أكاديمي محلي، أغلبه من حملة الدكتوراه من جامعات عربية وأوروبية، إذ يصعب استقدام أكاديميين من الخارج بسبب القيود الإسرائيلية المفروضة على الدخول والخروج من القطاع.

الطلاب والمجتمع

بلغ عدد طلبة الجامعة نحو 15,000 طالب وطالبة في آخر عام دراسي قبل الحرب. أكثر من 60% منهم إناث، في مؤشر على اتساع رقعة التعليم العالي للنساء في غزة. 

وكان الطلبة يأتون من مختلف أنحاء القطاع، وتمثل الجامعة خيارًا رئيسيًا لأبناء الأسر ذات الدخل المحدود، بسبب كلفتها المقبولة مقارنة بالجامعات الخاصة.

ولم تن الجامعة فقط مؤسسة تعليمية، بل أيضاً فضاء للنشاطات الطلابية والنقاشات السياسية المحدودة. كانت تعيش تحت رقابة داخلية غير معلنة، خاصة في ظل الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس، لكن إدارتها حرصت على إبقاء المساحات الأكاديمية بمعزل عن الصراع السياسي قدر الإمكان.

 شلل أكاديمي وتحديات الاستمرار

بعد قصف المبنى، لا توجد خطة بديلة واضحة حتى الآن، في ظل تضرر البنية التقنية، وانقطاع الكهرباء، وعدم توفر بنية تحتية صالحة لاستئناف التعليم الإلكتروني. كما أن معظم السجلات الورقية والإلكترونية الخاصة بالطلبة تعرضت للتلف أو الفقد.

الخسارة لا تقتصر على البنية المادية، بل تمتد إلى توقف العملية الأكاديمية لما تبقى من العام الدراسي، وضياع آلاف الساعات التعليمية، إضافة إلى مصير مجهول لطلبة الامتياز في كليتي الطب والعلوم الصحية. 

استهداف التعليم ضمن نمط أوسع

خلال سنوات الحصار والحروب المتكررة على غزة، تضررت غالبية المؤسسات التعليمية بدرجات متفاوتة، ففي حرب 2014، تعرضت جامعة الإسلامية لأضرار بالغة. وفي العمليات الأخيرة، استُهدفت المدارس والمرافق التعليمية التابعة للأونروا، بينما بيانات من وزارة التربية والتعليم الفلسطينية تشير إلى أن أكثر من 70 مؤسسة تعليمية تعرضت لأضرار مباشرة منذ بدء الحرب الأخيرة.

واستهداف الجامعة يأتي رغم إعلان حركة حماس موافقتها على مقترح هدنة طرحته الإدارة الأمريكية. هذا التزامن فتح الباب لتساؤلات حول دوافع الضربة، لا سيما أن المبنى المستهدف معروف كموقع مدني، ولا توجد حوله أية منشآت عسكرية بحسب روايات شهود عيان والتغطية الإعلامية المحلية.

 

تابع موقع تحيا مصر علي