عاجل
الثلاثاء 23 أبريل 2024 الموافق 14 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ألفــة الســلامـي تـكتب عن قضية الساعة: الصحة أم الاقتصاد؟!

ألفة السلامي كاتبة
ألفة السلامي كاتبة صحفية

قضية الساعة التي أثارت ومازالت تثير الكثير من الجدل هي العودة للحياة والعمل في ظل أزمة كورونا. وهي جزء من قضية العالم بعد كورونا. ولعل أبرز التصريحات الصادمة التي تعجلت الإجابة بضرورة العودة جاءت على لسان الرئيس الأمريكي دولاند ترامب في مارس الماضي لكن سرعان ما فقدت الدعوة حماسها عندما قفزت أعداد المصابين بفيروس كورونا إلى مستويات كارثية مما جعل ترامب في خانة المغامر الأرعن وأحلامه مجرد كوابيس في ليل مظلم وفهم الجميع أن عينه كانت تغمز للشركات الكبرى لإغرائها بتقديم الدعم السخي لحملته الدعائية للانتخابات الرئاسية المقبلة.

اقرأ ايضاً: ألفة السلامي تكتب: الإنسانية في قبضة "كورونا"
وفي مصر كانت الشخصية الأبرز التي دعت لاستئناف العمل هو رجل الأعمال نجيب ساويرس، ولم يكن وحيدا ولكنه الأجرأ بينما يقف وراءه عشرات المستثمرين وأصحاب الشركات الذين لا يملكون جرأته وإن كانوا يرددون نفس مطلبه في الغرف المغلقة.
ولعل أكثر ما يستفز الخائفين في أزمة الوباء المستشري أن تدخل صحة الإنسان وحياته في ميزان مقارنة بين الصحة والاقتصاد، بعبارة أخرى أن تكون دماء المزيد من ضحايا الفيروس هي "التمويل" الحقيقي للعودة للعمل والإنتاج!

وللإمعان في الضغط للتعجيل بالعودة للعمل يتم التلويح بكارت المجاعة فيزيد الخائفون خوفا؛ فالرعب من الموت بالفيروس يتحول إلى رعب آخر وهو فزاعة الموت من المجاعة!

صحيح أن الوضع المثالي هو عودة الناس لحياتهم الطبيعية وعملهم ونشاطهم حتى يضمنوا مصادر دخل لحياة كريمة لكن الأمر يتطلب اتخاذ إجراءات احترازية ضرورية ومطمئمنة قبل قرار إعادة فتح الاقتصاد حتى لا تحدث انتكاسة أكبر ويكون الوضع الصحي والاقتصادي أكثر صعوبة وتعقيدا.

وفي ظل عدم التوصل حتى الآن إلى لقاح أو علاج مؤكد للفيروس، وفي ظل استمرار تهديد الوباء لحياة الإنسان وارتفاع معدلات الإصابة والوفاة حاليا في نصف الكرة الأرضية على الأقل ومنها مصر والدول الإفريقية ودول أمريكا اللاتينية فإن توفر مجموعة من الضوابط لا غنى عنها قبل اتخاذ قرار إعادة فتح الإقتصاد. وتتمثل هذه الضوابط بالخصوص في إمكانية إجراء اختبارات لكشف الإصابة بالفيروس وهي إمكانية مازالت غائبة أو في حدها الأدنى لدى غالبية الدول التي تشهد زيادة ملحوظة في العدوى بالفيروس.
كما أن إمكانية تتبع المصابين والمخالطين لهم تقل وتضعف حلقاتها نتيجة زيادة الأعداد خاصة في المجتمعات المكتظة بالسكان وذات الكثافة العالية والتي لا يقابلها تطورتكنولوجي كما في الصين مثلا حيث استطاعت السيطرة على العدوى والمخالطين من خلال أنظمة تتبع رقمية متقدمة مثبتة في أجهزة التليفون المحمول وتتيح كافة المعلومات عن الشخص ومكان إقامته وتحركاته وبالتالي يسهل على الدولة التدخل وفرض إجراءاتها الاحترازية دون أدنى احتمال للخروج عن السيطرة.

ثم يأتي دور القدرة على العزل وهي وإن توفرت لدى دول في المراحل السابقة فإنها مع زيادة أعداد المصابين لن تكون كافية بالشكل المطلوب وستترك للمواطن بحيث يتم العزل في المنازل وهذا الأمر ثبت فشله في المراحل الأولى لانتشار الفيروس حيث أن وعي المواطن غير كاف ولا يعول عليه.

وفي هذا السياق أفتح قوسين لأسرد قصة رواها لي طبيب متخصص في أمراض القلب بمستشفى خاص في إحدى محافظات الدلتا.
قال إنه استقبل مريضا كان في حالة إعياء شديد مع ارتفاع درجات الحرارة وصعوبة في التنفس وتم إدخاله العناية المركزة بعد استيفاء جميع المعلومات بملفه الطبي حيث أكد المريض أن هذه الحالة يصاب بها للمرة الأولى وأنه مريض قلب وأدويته كذا وكذا .. وبعد ثلاثة أيام بدأت حالته تتحسن وتم نقله لغرفة عادية والتقى أحد أفراد أسرته بالطبيب للاطمئنان عليه فاكتشف أن المريض كان في العزل الصحي لأنه مصاب بفيروس كورونا وأنهى فترة العزل لكن بعض الأعراض ظهرت عليه مجددا فتوجه إلى مستشفى خاص خوفا من العودة إلى مستشفى الحميات! طبعا تم الاتصال بوزارة الصحة وإعادة المريض للحميات وطلب إجراء تحليل للطاقم الطبي المباشر للحالة مع العلم أن الطبيب لم يحتمل ..واستقال من العمل في المستشفى ، لكن السؤال كم طبيب أوممرض معرض لمثل هذا الوضع وكم مواطن يخفي الحقيقة ويتسبب في العدوى لعشرات بل مئات.

ولست هنا في معرض حديث قد يغضب البعض عن مدى صدق المواطن أو عدم وعيه بمدى الضرر الذي يسببه إخفاؤه لمعلومات مهمة لكن أذكر عشرات التجارب الصادمة لي شخصيا والتي واجهتها خلال عملي في وزارة التضامن الاجتماعي وفحصي لشكاوي واستغاثات المواطنين لجهات رسمية في الدولة وقد تتحول إلى اتهام بالتقصير في وسائل الإعلام لأكتشف بعد التحقيق فيها إلى عدم صحة البيانات والمعلومات التي يدلون بها.

أخيرا لا يمكن إغفال أحد الضوابط المهمة عند بحث قرار العودة إلى العمل من عدمه وهو قدرة الدولة على استيعاب أعداد المصابين وتوفير العلاج لهم. وقد جاءت الإجابة على هذه النقطة من الدول الأكثر تقدما عندما عجزت عن العلاج ومات مئات الآلاف لديها فما بالنا بدول مازالت في طور إصلاح منظوماتها الصحية.

اقرأ ايضاً: ألفة السلامي تكتب: المحنة .. والمنحة
أدرك أن غالبية الدول الصناعية ستسمح بدءا من شهر يونيو بالعودة التدريجية للعمل والدراسة لكنها أقدمت على هذا القراربعد أن اطمأنت إلى أن منحنى الأزمة يتجه إلى التراجع؛ أما وقد ارتفع أعداد المصابين والوفيات في مصر والدول المشابهة لنا فإن القرار بالعودة سيحين وقته عندما تطمئن الدولة إلى تراجع الخطر. وسنحمد الله جميعا أن تكون مصائر العباد في أيدي من يخاف عليها وليس من يخاف على ماله .. فصحة الانسان هي الأولوية وهي الثروة الحقيقية ورمانة الميزان للاقتصاد.
[email protected]
تابع موقع تحيا مصر علي