وحيد حامد..رحيل أستاذ السيناريو الأول.. طارد الفساد بقلمه.. وواجه طيور الظلام بجاسرة
عرفت مصر الفنية وفرة من المؤلفين المبدعين من كتاب السيناريو، الذين شكلوا الواقع المحيط، بكتابتهم المضيئة للعقول، لكن من بين الجميع يظل وحيد حامد، جوابًا للمشاهدين، الذى ذاب عشقًا وولعًا فى هذا الوطن.
لم يكن وحيد حامد، اسمًا عابرًا فى تاريخ مصر، فلا يمكن أن تنسل من ذاكرة المشاهدين، الكثير من الأعمال التى لا نمل من مشاهدتها مثل " طيور الظلام" و "البرئ" وآخر الرجال المحترمين، وأحلام الفتى الطائر، ودم الغزال.
وحيد حامد.. أين كانت البداية؟
لم تنفلت نهائيًا من ذاكرة وحيد حامد الروائية، تلك البداية المؤثرة لشق طريقه نحو الكتابة الدرامية، الذى أصبح فيما بعد أستاذًا ومتخصصًا بها، حيث يذكر دائمًا حين جاء من بلدته الريفية بالشرقية إلى الكاتب الكبير يوسف إدريس، حاملًا أوراقًا مكتوبًا فيها قصته الأولى "القمر يقتل عاشقه"، تلك التى لم يُثنى عليها إدريس كثيرًا، لكنه أبصر لتلك الحاسة الفنية المكتنزة واللاذعة فى نفس "الفتى البرئ"، حتى أخبره بأن رؤيته تناسب الدراما أكثر.
لم يستشعر وحيد حامد من كلمات إدريس المقتضبة وقتها، أن الكاتب الكبير يَبغى سحق موهبته، أو يحاول هدمها، بل تنبه لحديثه بنظرة ثاقبة ورؤية فنانً ناشئ، وأخذ يسلك طريق الكتابة للدارمى الإذاعية، حتى أطلق أول عملًا له وهو "الفتى الذى عاد" المقتبسة من مسرحية "مهاجر بريسبان"، ثم توالت الأعمال بعدها.

أسلوب وحيد حامد
تنساب الكلمات من حامد بتلقائية أحيانًا، ولكنها تخرج مؤثرة، ويملؤها الشجن والإحساس، وتتقدم من بين يديه قصصًا كتبت بترويٍ شديد أو على عجل، ولكنها تسطع لامعةً وراكزة فى الذهن، حتى أن الشارع المصرى ينفض عن حديثه، ومشاغباته اليومية، حتى يلحق بمشاهدة مسلسل "أحلام الفتى الطائر"، الذى وصفه حامد بأنه نقطة تحول فى مسيرته.
لم تكن رؤية حامد للفن مُختلقة أومن وحي خيال محض، بل كانت نابعة من واقع واسع، ومليئ بالقصص والأحداث، فالفن عند وحيد حامد، هو إعادة تشكيل الواقع المحيط وليس خلق آخر جديد، فترى فيلم "الإرهاب والكباب" معبرًا عن معاناة المواطن البسيط، حيث يحاول المواطن "أحمد"، أن ينقل أبناءه لكنه يصطدم بعراقيل الحياة الروتينية اليومية للأجهزة الحكومية، أو انتقاله الكبير لملفات السياسة الساخنة، التى أحرز فيها أهدافًا فنية، فلا تمل نهائيًا من مشاهدة فيلم "طيور الظلام"، الذى صاغ فيه تقلبات الحياة السياسية وتنوعها وأساليبها وأدواتها غير الشريفة.

وحيد حامد كاتب المقال
ظل وحيد حامد، طوال حياته وحتى الأيام الأخيرة، قبل وفاته كاتبًا بارعًا، تسرع أعين القارئ لمطالعة مقاله فى المصرى اليوم، حيث يكتب عن السياسة والمجتمع والفن، كما أن له فصولًا كبيرة عن الإخوان والجماعات الإرهابية.
عند وحيد حامد، المعارضة تحتفظ بقدر كبير من الإحترام، فهو يرى أن الأوطان لا تتحقق إلا بوجود ظهير معارض، يوجه النقد لا الهدم، ويمسك بالحلول الممكنة، لا بالخيالات الحالمة، كما يرفض الجماعة الإرهابية، فهو يراها دائمًا إنها تسعى لسرقة وطن، ولجأت إلى سفك الدماء، وتعمل بجانب التيار السلفى على هدم الهوية الوطنية، وهذا عكس ما يراه حامد، بأنه من الضرورى التمسك بهوية مصر الضاربة فى الجذور.

هل تبنى وحيد حامد أعمالًا مبتذلة
" لم أتبن فى أعمالى السينمائية أوالدرامية، سوى الملفات والقضايا التى أؤمن بها، ولم يحدث أنى انحدرت بمستوى الفن، لقد تعاملت معكم باحترام"، بتلك العبارة الطويلة ودع حامد جمهوره العريض من المصريين، محققًا النسبة الأكبر من الحضور الإنساني الحقيقى، فلا تلتقط لحامد أى عمل مبتذل أو خارج السياق الاجتماعى الذى عرفته الأسرة المصرية، منذ زمن، بل كان حريصًا على تقديم ما يميز الهوية المصرية، ويعرض هموم موطنى هذا البلد.
لم نرى وحيد حامد فى أيًا من المناصب الكبرى، فى الدولة المصرية، لأنه احتل ما هو أفضل من ذلك، وقال فى حديثُا له:" لم يكن لديّ يوماً أية حسابات، ولم أخش أحداً، أو جهة، فقد قررت من البداية أن أهب حياتى للفن والناس، والدليل أننى لم أحصل على منصب أو عطية، ولم أكسب مليماً واحداً إلا بجهد حقيقي".
تطبيق نبض