عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

كيف تتحكم في أعصابك وتتغلب على غضبك؟.. الإفتاء: 8 إجراءات تخلص الإنسان من الغضب.. وذكر الله والاستعاذة من الشيطان الأهم

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية

قالت دار الإفتاء المصرية: إن الشريعة الإسلامية ذمت الغضب ونهت عنه؛ إلا إذا كان في الحق، وأرشدت من يقع فيه ويصير سلوكًا مضرًا له ولغيره أن يبتعد عنه وعن أسبابه، وأن يستعين بالله تعالى ويتوكل عليه في كل شؤونه.

جاء ذلك في معرض رد دار الإفتاء على سؤال، يقول فيه السائل: نرجو منكم ذكر بعض الإجراءات التي حثت عليها الشريعة الإسلامية للتحكم في سرعة الغضب وعلاجه؛ حيث إنه كثيرًا ما ينتابني غضبٌ شديد؛ فأقوم ببعض التصرفات أو أتخذ بعض القرارات غير الصحيحة وقد تكون مؤثرة ومصيرية؛ وهذا يؤلمني جدًا؛ خصوصًا وأنا شخص سريع الغضب؟

الغضب يُفسد الإيمان

وأكدت دار الإفتاء، أن الشخص سريع الغضب عليه اتخاذ الإجراءات الـمساعدة له على دفع الغضب، كالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، وأن يسكت، ويتوضأ إذا غضب، وأن يغير هيئته، وأن يتحلّى بخلق العفو، وألا يتسرع، وأن يكظم غيظه ليتمكن من التحكم في نفسه، وأن يعلم أن كلامه محسوبٌ عليه ولو في وقت الغضب، وإن وجد سبيلًا آخر مباحًا يساعده فلا بأس به؛ وأولًا وآخرًا يدعو الله تعالى أن يقيه شر ما يضره.

ولا شك في أن الشخص إذا تصرف وهو على حال الغضب فإن تصرفه لن يكون محمودًا؛ بل سيفعل ما لا تُحمد عواقبه ويندم عليه بعد ذلك غالبًا؛ لأن الغضب نارٌ تشتعل في الجسم فلا يكون الإنسان معها مُتحكمًا في تصرفاته وانفعالاته؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «أَلَا وَإِنَّ الغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ».

وأوضحت دار الإفتاء، أنه نظرًا للخطورة التي يُحدثها الغضب؛ فقد ذمت الشريعة الإسلامية الغضب وحذرت الناس منه ومن عواقبه؛ فعن معاوية بن حيدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «يَا مُعَاوِيَةُ: إِياكَ وَالْغَضَبَ، فَإِنَّ الغَضَبَ يُفْسدُ الإِيمَانَ كَمَا يُفْسِدُ الصَّبْرُ العَسَلَ»؛ فلخطورة ما يترتب على الغضب، وما قد يؤول صاحبه إليه، كان الغضب من حيث الأصل منهيًا عنه شرعًا. وورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال: «لاَ تَغْضَبْ» فردد مرارًا، قال: «لاَ تَغْضَبْ» رواه الإمام البخاري في صحيحه.

الغضب من أجل الحق

وأشارت دار الإفتاء، إلى أن هناك حالات يكون الغضب فيها مطلوبًا، وهى ما إذا كان هذا الغضب من أجل إحقاق حقٍ أو إبطال باطلٍ ونحو ذلك.

قال الإمام الباجي في كتاب (المنتقى شرح الموطأ) عند شرح قوله صلى الله عليه وآله وسلم: أوصني، قال: (لَا تَغْضَبْ): «أَرَادَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم امْتِنَاعَهُ من الغضب في مَعَانِي دُنْيَاهُ وَمُعَامَلَتِهِ، وأما فيما يُعَادُ إلى القيام بالحق فالغضب فيه قد يكون واجبًا، وهو: الغضب على أهل الباطل وإنكاره عليهم بما يجوز، وقد يكون مندوبًا إليه، وهو الغضب على المخطئ إذا علمتَ أن في إبْدَاءِ غضبك عليه رَدْعًا له وباعثًا على الحق، وقد رَوَى زيد بن خالد الْجُهَنِيُّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله رجلٌ عن ضالة الإبل غَضِبَ حتى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أو احمر وجهه، وقال: «مَا لَكَ وَلَهَا»، وغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما شكا إليه رجلٌ معاذَ بنِ جبلٍ رضي الله عنه أنه يُطَوِّلُ بهم في الصلاة، ويحتمل أن يكون هذا الذي قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «لاَ تَغْضَبْ» قد عَلِمَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان كثيرَ الغضب قليلَ الْمَلْكِ لنفسه عنده، وإن كان ما كان يدخل عليه نَقْصٌ في دينه وحاله من جهة الغضب؛ فخصَّه بالنهي عن ذلك، والله أعلم».

ويفُهم من ذلك: أن الغضب منه ما هو حسن ومحمود، ومنه ما هو سيئ ومذموم، وهذا هو محل النهي الوارد في النصوص الشرعية، ولما كانت أحكام الشرع متعلقة بأفعال المكلفين كان محل النهي عن الغضب الذي هو انفعال متعلقًا بما إذا صار الغضب سلوكًا مضرًا بالنفس أو الغير.

إجراءات تساعد على دفع الغضب

وأكدت دار الإفتاء، أن الشريعة الإسلامية وضعت مجموعة من الوسائل والإجراءات التي يـتمكن الشخص مع مراعاتها من التخلص من الغضب وسرعته وآثاره، وأهمها ما يلي:

أولًا: الابتعاد عن الغضب وأسبابه

وذلك بالحذر من الغضب وبمحاولة التحكم في النفس وكظم غيظها؛ لقول الله تعالى في وصف عباده المتقين المستحقين لمغفرته: «وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ» (آل عمران: 134)؛ قال الإمام أبو حيان الأندلسي في (البحر المحيط): «أي: الممسكين ما في أنفسهم من الغيظ بالصبر، ولا يظهر له أثر». وللحديث المذكور آنفًا عن أبي هريرة رضي الله عنه، في وصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد أصحابه: «لَا تَغْضَبْ».

وكظم الغيظ يعد محاولة للتحكم في ضبط النفس قدر الإمكان؛ فمن فعل هذا كان ذلك عونًا له على دفع الغضب وأسبابه، وفي هذا نجاة للإنسان في العاجلة والآجلة؛ فعن سهل بن معاذ، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى إِنْفَاذِهِ؛ مَلأَ الله قَلْبَهُ أَمْنًا وَإِيمَانًا».

ثانيًا: مداومة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم

فإنها تذهب عن الإنسان كل ما يجد من ضيق النفس والغضب؛ قال الله تعالى: «وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (الأعراف: 200).

وعن عدي بن ثابت قال: حدثنا سليمان بن صرد، قال: اسْتَبَّ رجلان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه، مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً، لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُ، لَوْ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» فَقَالُوا لِلرَّجُلِ: أَلَا تَسْمَعُ مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآله وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنِّي لَسْتُ بِمَجْنُونٍ.

ثالثًا: السكوت

فإن الإنسان إذا سكت فقد حافظ على نفسه من الغضب، وساعد نفسه على تهدئة الروع؛ ولذا أوصت السنة بذلك؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْكُتْ».

رابعًا: الوضوء

فمن يتعرض لما يُغضبه عليه أن يتوضأ؛ فإن الوضوء يطفئ لهيب الغضب، ويقضي على شرارته؛ فعن عبد الله بن بجير الصنعاني قال: دخلنا على عروة بن محمد السعدي، فكلمه رجل، فأَغضبه، فقام فتوضأ، فقال: حدثني أبي عن جدي عطية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ».

خامسًا: أن يذكر الله سبحانه وتعالى

فذكر الله يبعث في القلب خشية تعين الإنسان على التأدب والتحكم في الغضب؛ قال الإمام الماوردي في (أدب الدنيا والدين): «واعلم أن لِتَسْكِينِ الغضب إذا هجم أسبابًا يُستعان بها على الْحِلْمِ؛ منها: أن يذكر الله عز وجل؛ فَيَدْعُوهُ ذلك إلى الخوف منه، وَيَبْعَثُهُ الخوف منه على الطاعة له، فَيَرْجِعُ إلى أدبه ويأخذ بِنَدْبِهِ؛ فعند ذلك يزول الغضب؛ قال الله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) الكهف: 24».

سادسًا: أن يغير الإنسان هيئته

فإن في ذلك عونًا له على الخروج من الحالة التي هو عليها؛ فعن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ، وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ».

سابعًا: التحلي بخلق العفو

فمن تمكنت هذه الصفة فيه بحيث صارت خلقًا من أخلاقه؛ أي: صار يصفح عن زلات الناس؛ فوقوعه في دائرة الغضب سيكون من الصعوبة بمكان؛ ولذا حثت الشريعة على التحلي بالعفو؛ قال الله تعالى عن المستحقين لمغفرته: «وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ» (آل عمران: 134).

ثامنًا: التأَني وعدم التسرع

فإذا غضب الإنسان فعليه ألا يقوم برد الفعل على الفور، وأن يمتلك نفسه، وأن يؤجل قراره إلى حين زوال الغضب؛ فيكون ذلك أنفع له؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الغَضَبِ».

تاسعًا: الكلمة محسوبة على الإنسان

على الإنسان العلم بأن الكلمة محسوبة عليه ولو في وقت الغضب؛ لذا عليه أن يدير انفعاله حتى لا يضيره؛ وليتذكر أن المؤمن عليه ألا يخرج من فمه إلا الكلام الطيب؛ عملًا بقول الله تعالى: «أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ» (إبراهيم: 24)، وقوله جل شأنه: «مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (ق: 18).

وإذا وجد الإنسان وسيلة أخرى مباحة غير ما ذُكر من الوسائل التي تعينه على التخلص من الغضب فيجب عليه أن يعمل بها؛ لأن الوسائل لها حكم المقاصد، ولأن الغرض هو ألا يقع الإنسان فيما يضره أو يضر من حوله؛ لما تقرر شرعًا من أنه لا ضرر ولا ضرار.

علاج استمرار الغضب

وإذا كان الغضب يتكرّر بكثرة واتخذ الإنسان كل الوسائل المذكورة وما شابهها، ولم يجد تَغيُّرًا وصار ذلك بالنسبة له كالمرض؛ فإنه في هذه الحالة يذهب إلى الطبيب المختص من باب التدواي والأخذ بالأسباب التي حثنا عليها الشرع الشريف؛ فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَدَاوَوْا عِبَادَ اللهِ، فَإِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُنزِلْ دَاءً إِلَّا أَنْزَلَ مَعَهُ شِفَاءً».

تابع موقع تحيا مصر علي