عاجل
الجمعة 19 أبريل 2024 الموافق 10 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: بريكس.. القوة الإقتصادية القادمة

ياسر حمدي - كاتب
ياسر حمدي - كاتب صحفي

مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية كتبت مقال بهذه المنصة الرائدة في مجال الصحافة الإلكترونية عن ما سوف ستنتهي إليه هذه الحرب، وقلت وقتها أن هذا الصراع سينتهي إلى نظام عالمي جديد، وإن كانت هذه الحرب ليست بداية الشكل الجديد للنظام الذي سيسير عليه العالم بعدها، لكنها كانت النواة القوية والحقيقية لبداية التغيير الحقيقي والفعلي، لكن سبقها قيام الصين وروسيا بتأسيس نظام «بريكس» الجديد.

وأصبح أكثر الأحاديث التي تتردد اليوم وهجًا في أروقة الفكر الإقتصادي تتعلق بسلوك البريكس ومنافسته للدولار الأمريكي، والسؤال: هل تستطيع هذه المنظومة الحديثة تدشين عصر ما بعد الدولار؟ أم أن قبضة الدولار لا تزال تهيمن على النظام الإقتصادي العالمي؟.

منذ تصميم نظام «بريتون وودز» عقب إنهاء الحرب العالمية الثانية والدولار هو العملة الاحتياطية السائدة في البنوك المركزية العالمية موازيًا مع الذهب، فالولايات المتحدة وحدها التي خرجت من الحرب وهي تتمتع بإقتصاد مزدهر على عكس حلفائها المنتصرين كالاتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا، فقد كانوا يئنون من تبعات وويلات هذه الحرب.

ومع إنهيار إقتصاديات الدول المنهزمة كاليابان وألمانيا وإيطاليا، وهذه النقطة تحديدًا منحت واشنطن ميزة فريدة في تأسيس النظام الإقتصادي العالمي الحالي، والتي يبدو أن دولًا عديدة بدأت تعلن ضجرها من هذا النظام الذي تجاوز السبعة عقود من الزمن، وأن الوقت قد حان لتغيير الواقع الحالي، وكان تدشين منظمة البريكس الإقتصادية أولى هذه الخطوات.

وبعد إنتهاء الحرب العالمية الثانية، تشكلت الحرب الباردة بين واشنطن وموسكو عبر حلفي الناتو ووارسو، إنتهت هذه الحرب بإنتصار المعسكر الغربي عبر إنهيار سور برلين، الآن تتجدد هذه الصورة ولكن بشكل أخر، فمعسكر وارسو كانت تقوده روسيا وحدها وبأيديولوجية عقيمة لا تتواكب مع متطورات العصر، أما اليوم فتتشكل صورة المواجهة تقريبًا بجانب سياسي أفرزته الحرب الروسية الأوكرانية، وبجانب إقتصادي يضم دولًا تحررت من اشتراكيتها السابقة كروسيا والصين وتحارب الناتو برأسماليته نفسها، وبديناميكية ترتكز على مقومات إقتصادية ضخمة.

الفكر الجديد الذي تتبعه روسيا والصين قد جعل الولايات المتحدة في وضع أصعب كون أن دولة حليفة لواشنطن كفرنسا وعضو أساسي في الناتو تصرح على لسان رئيسها ماكرون «بأن على أوروبا أن تقلل من إعتمادها على الدولار الامريكي»، هذا التصريح جاء بعد زيارة رسمية للرئيس الفرنسي للصين استغرقت ثلاث أيام في الشهر الماضي، كما كتب المحلل الفرنسي رينو غيرارد أن عملية نزع الدولار والتخلي عنه «لا رجوع فيها»، وأن دولاً كثيرة ترغب في التخلص من الدولار من أجل حماية نفسها في المستقبل من أهواء البيت الأبيض.

الإقتصادي العالمي الشهير «جيم أونيل» أطلق مسمى «بريكس» على التحالف الاقتصادي الذي يضم كلاً من «الصين وروسيا والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا»، هذه الفكرة توسعت تدريجيًا مع عامل الزمن في خطواتها الإقتصادية لتطمح أخيرًا في تدشين نظام عالمي جديد يقوم على فكرة تعدد العملات بدلًا من نظام الدولار الحالي الذي يمنح واشنطن أحقية فرض العقوبات الإقتصادية على أي دولة تتمرد على الخطوط الحمراء التي تحددها واشنطن.

لا شك أن تحالف بريكس يشكل تحديًا قويًا أمام الولايات المتحدة، وللعلم هذه المنظمة «بريكس» تحتل 30% من مساحة الكرة الأرضية، في حين أن عدد سكان أعضائها يكاد يقترب من نصف سكان العالم، وقد بدأ البريكس خطواته الأولى بتأسيس «بنك التنمية الجديد» كمحاولة لإحلاله بديلًا عن صندوق النقد الدولي، ثم اتبعت بعد ذلك سلسلة من الخطوات الإقتصادية للحد من هيمنة الدولار.

لعل خطوات البريكس لفرض نظامه الإقتصادي الجديد لإنقاذ الإقتصاد العالمي من عقوبات القطب الواحد التي تهيمن عليها واشنطن ودمرت بسببها إقتصاديات عدة في العالم كان أغلبها في منطقة الشرق الأوسط، من هذه الخطوات شراء مجموعة بريكس كميات كبيرة من الذهب كإحتياطي بديلًا عن الدولار، كما دشنت بورصة شانغهاي الصينية نظامًا يسمح لليوان الصيني أن يكون بديلًا عن الدولار في التبادلات التجارية الدولية، بالإضافة إلى الإتفاقيات الثنائية بين دول البريكس حول الدفع باليوان الصيني كما فعلت الصين مع روسيا والبرازيل، وبالتالي فقد أتت هذه الخطوات ثمارها الجزئي بتراجع حصة الدولار في بعض البنوك المركزية العالمية.

العديد من الاقتصادات النامية والناشئة الأخرى التي عانت من تجارب مؤلمة تحت وطأة برامج التقشف القاسية من قبل صندوق النقد الدولي إتجهت أنظارها تجاه البريكس، وقد لعب ذلك دورًا في تزايد إهتمام المزيد من الدول الأخرى في الانضمام إلى المجموعة، ومع مرور الأعوام، اكتتبت مصر والإمارات واوروجواي وبنجلاديش عام 2021 في أسهم بنك التنمية الذي أسسته مجموعة دول بريكس باستثمارات بلغت 10 مليارات دولار.

تسعى دول مجموعة بريكس إلى إطلاق عملة موحدة بينها تنهي بها هيمنة الدولار الأمريكي على الإقتصاد العالمي باعتباره الوسيط الرئيس للتجارة والتسويات الدولية، ولم تحسم بعد دول بريكس شكل العملة الجديدة، وتأتي العملات الرقمية ضمن الأفكار المطروحة لهذه العملة التي ستُنشأ على أساس إستراتيجي، لا على أساس الدولار أو اليورو، وتأمينها سيكون بالاعتماد على الذهب والمعادن النفيسة، وفي الوقت نفسه ترى دول بريكس في الأزمة الروسية الأوكرانية فرصة مواتية لإصدار هذه العملة والإستفادة من التذمر المتزايد من السياسات الأمريكية.

في المقابل، يرى بعض المحللين الاقتصاديين أن حلف بريكس لن يستطيع هز عرش الدولار بهذه السهولة، فهو في واقعه مجرد تحركات داخل نظام الدولار الحالي، وبالتالي فنحن لسنا أمام نظام عالمي جديد ولكن أمام حالة تنافسية إقتصادية محتدة وحرب مالية باردة إن صح القول بين الولايات المتحدة ومنظومة البريكس!.

تابع موقع تحيا مصر علي