عاجل
الإثنين 29 أبريل 2024 الموافق 20 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: تمكين الشباب.. طريق النهضة القادمة

ياسر حمدي - كاتب
ياسر حمدي - كاتب صحفي

قبل 2011 كان معلوم للجميع أن هناك مائة عائلة هم من يملكون مصر، وأن شباب هذه العائلات وحدهم فقط من لهم الحق في كل شئ وبلا إستثناء، وكانت الحكومات المتعاقبة وقتها لا تعترف بباقي شباب مصر، ولا تسعى لدمجهم في الحياة السياسية ولا حتى الإقتصادية، والحقيقة أن هذا كان سبب اندفاع عشرات الآلاف من الشباب للخروج ضد نظام الحكم في ذلك الوقت.

على العكس الآن فالإهتمام بالشباب يعد ركيزة أساسية في خطة الدولة واستراتيجيتها لبناء الإنسان المصري، وتولي مصر أهمية قصوى لدور الشباب في مختلف المجالات التنموية الإقتصادية والإجتماعية والسياسية، وتوفير فرص عمل جديدة لهم عبر المشروعات القومية العملاقة واستصلاح الأراضي، وتوفير المسكن المناسب لأحوالهم الإقتصادية، عبر مشروعات الإسكان الاجتماعي التي تغطي معظم المحافظات.

كما ركزت على العمل على إعدادهم وتحفيزهم للمشاركة في تولي مهام العمل السياسي والتنفيذي والإداري بالدولة المصرية، وتولي مصر هذه الأهمية الكبيرة للشباب، وذلك للعديد من الإعتبارات، أبرزها، أهمية دور الشباب في بناء المستقبل وتعزيز التطور والتنمية، وأنهم ركيزة المزايا التنافسية للاقتصاد المصري.
لكن هذا كله غير كافي لتمكينهم حق التمكين، كي تستفيد الدولة من طاقاتهم وحماسهم وقدراتهم على تغيير الواقع للأفضل، فكان معلوم أن عداء الدولة في فترة ماقبل 2011 لشبابها كان له أثره السلبي والسيئ على جميع مناحي الحياة، تلك الفترة التي أستطيع أن أقول إن حكم مصر فيها تحول إلى ديكتاتورية الشيوخ، حيث تحول الجميع مع الوقت إلى حكام فوق السن، وكان يتم النظر إلى كل شخص تحت سن الستين بأنه ناقص خبرة وما زال غير كامل الأهلية.

كان هناك عداء للشباب بشكل عام وإغلاق للطرق الطبيعية للترقي أمام الشباب عدا أولئك الذين يتمتعون بالثروة والنفوذ ويدورون في فلك العائلات المالكة لمصر، حيث كان هناك إحساس عام بالعداء للشباب وانغلاق فرص الترقي وسيطرة الشيخوخة السياسية والذهنية على الدولة، ولا شك أن هذا أتاح لبعض الجهات الخارجية أن تستخدم بعض الشباب لمصلحتها فيختلط البر بالفاجر والمخلص بالمدعي والصادق بالكاذب.

تجربة الدولة المصرية في تمكين الشباب جائت متأخرة كثيرًا، لكن ما قام به الرئيس السيسي من تمكين لشباب مصر في تلك الفترة لم يحدث على مر العصور، لكنه غير كافي إذا كنا نريد بناء هذا الوطن بالشكل الذي يليق بنا كمصريين، وإذا كنا نسعى لحلول جزرية لمشاكل عدة كانت سبب حقيقي ورئيسي في العديد من الأزمات التي تلاحقنا، فتجارب تمكين الشباب في الدول الغربية كانت منذ عصور طويلة وأثبتت بالدليل القاطع أنها سبب نهضة هذه الدول، وسبل تقدمها العملي والعلمي.

والحقيقة أن الدولة المصرية لم تتبن سياسة تمكين الشباب إلا بعد أن أدرك الرئيس السيسي طبيعة المشكلة، ووجه بإتاحة الفرصة لبناء جيل جديد غير ملوث من النخب المصرية، وبناءً على هذا التوجيه أتيحت فرص كبيرة للشباب في مجالات عدة كالإعلام والسياسة والفنون وريادة الأعمال، ووصل حد التمكين لمراحل كانت تعد حلم صعب المنال في عهود سابقة.

ويحسب لهذا الرئيس أنه أول رئيس مصري يدشن جسرًا للتواصل بشكل مستمر مع الشباب، لمعرفة مقترحاتهم حول تطوير الدولة المصرية، من خلال مؤتمرات ومنتديات الشباب التي تُعد منصة حوارية بين الشباب وممثلي الحكومة ومؤسساتها المختلفة حول قضايا الشباب من كل دول العالم بشكل عام والشباب المصري بشكل خاص، وأخذت الدولة بالعديد من توصياتها.

وما يعكس مدى اهتمام رئيس الدولة بالشباب ما ذكره بمناسبة اليوم العالمي للشباب، حينما قال: «لطالما كان إيماني بالشباب يزداد يومًا بعد يوم، فكلما تأملت كيف يرسمون حاضرهم ويشيدون مستقبلهم، زاد إيماني بأن الشباب هم كلمة السر لعالم أكثر استقرارًا وسلامًا»، وحضوره بشخصه كل مؤتمرات الشباب وتحت رعايته، فضلًا عن تدشين البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة، وإنشاء الأكاديمية الوطنية للتدريب والتأهيل، وتهدف إلى تحقيق متطلبات التنمية البشرية للكوادر الشبابية بكافة قطاعات الدولة والارتقاء بقدراتهم ومهاراتهم.

وقد عُين العديد من النماذج الشابة في مناصب معاوني وزراء، كما تضمنت حركة المحافظين 2019 تمثيل فعلي للشباب، وهذا ما يؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن التمكين أصبح حقيقة وليس شعارًا، وتعد الحركة التي ضمت 39 قيادة جديدة ما بين محافظ ونائب للمحافظ، من بينهم 60 % من الشباب، حيث ضمت اختيار 16 محافظًا، و23 نائبًا، وجاء عدد الشباب 25 قيادة، منها اثنان من المحافظين، و23 نائبًا للمحافظين يمثلن كفاءات وخبرات علمية وأكاديمية كبيرة جميعهم من فئة الشباب.

وتعتبر تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين استكمالًا لتمكين الشباب في كل كيانات الدولة المصرية وأطيافها، حيث تقدم التنسيقية تجربة جديدة وفريدة في ممارسة العمل العام، وفتحت قنوات الاتصال المباشرة مع الدولة ومؤسساتها، والتنسيق بين شباب الأحزاب والقيادات السياسية والقواعد، والشباب المستقل والمهتم بالعمل العام، وباتت من أهم الكيانات المعبرة عن صوت الشباب المصري والتي تساعد في تمكينهم.

الأمر الذي يدعو للتفاؤل بل والفخر أن الدافع بتمكين شباب مصر كان عامًا لا خاصًا، وكان بهدف علاج مشكلة ولم يكن أبدًا هو المشكلة وقد كان الدافع نبيلًا وسيظل دافعًا نبيلًا، لكن الحقيقة التي لا يمكن الجدال فيها أن شباب هذا المجتمع هم جزء منه، يطالهم ما طاله خلال عقود من عيوب وتشوهات، كما أن فيهم ما في أبنائه من مميزات، وبالتالي فإن ظهور حالة أو اثنتين أو ثلاث أو عشر لشباب لم يكونوا على قدر المسئولية لا يعني أن منهج تمكين الشباب كله خاطئ، تمامًا كما أن حادث طريق بسيارة مسرعة لا يعني أن علينا منع السيارات من السير أو إغلاق الطرق.

وفي ذات الوقت لا يجب إغفال التحديات التي تواجه الشباب وعلى رأسها محاربة البطالة وتوفير فرص عمل لهم، ومساعدتهم في الحصول على المسكن اللائق، بالإضافة إلى التركيز على تهيئة الشباب قبل وصولهم لمواقع صنع القرار من خلال تكثيف الدورات والمحاضرات وجلسات العصف الذهني التي من شأنها صقل مهاراتهم وتدريبهم على آليات تمثيلهم لجيلهم ولمجتمعهم.

تمكين الشباب من أنبل سياسات العهد السياسي الحالي، ومميزاته أكثر من عيوبه وإيجابياته أكثر من سلبياته، وقد كان علاجًا لمشكلة أدت لانهيار الدولة ولم يكن هو أبدًا المشكلة، بل هو طريق النهضة القادمة إذا أحسن اختيار الشباب الذين يتم تمكينهم، وأخيرًا ادعوا إلى مزيد من التمكين لمن يستحق.

تابع موقع تحيا مصر علي