ياسر حمدي يكتب:الموت حق..
الموت حق، والفقد سنة الحياة المبكيّه، والفواجع لاتُنسى ولو مر عليها دهر، والحزن على الراحلين لايموت، نعم نمضي، نتجاوز، ونتناسى، لكن ألم رحيلهم يتجدد مع كل خبر وفاة، اللهم أرحم من اشتاقت لهم أرواحنا وأغفر لهم وتجاوز عنهم واجمعنا بهم في جنتك ومستقر رحمتك، وصبّ الصبر صبًا على كل قلب ذاق الفقد و مرارة الفقد وأجبرّه.
هنالك أناس فقدُهم يعادل فقْد عالم بأسره، تحتار كيف تصفهم، ومن أي زاوية تنظر إلى إنجازاتهم في ترميم الروح لحظة انكسار عابرة بعُمْر الدهر، وهناك آلاف الأشخاص يمرون في حياتنا دون أن نشعر، أو نعير وجودهم أدنى إهتمام، فهم ليس أكثر من سحابة صيف عابرة، بل وتتلاشى إلى غير رجعة.
حسام جمال عِشرة عمر، وصحبة كان الإخلاص والإحترام المتبادل عنوانها الرئيسي، لم نشعر يومًا مطلقًا أن ما يجمعنا مصلحة عابرة، لذا استمرت صداقتنا، بل أُخوّتُنا بنفس صفائها وبراءتها، رحيلك أمس أدمى قلوبنا، رحلت فجأة دون أن تودعنا.
أعي جيدًا أن الموت طريقٌ كلنا سالكوه حقاً، وسيدركنا، وإن كان قاسيًا علينا، فالله سبحانه وتعالى يقول: «كل نفس ذائقة الموت»، وعندما يفرقنا الموت عن أغلى الأحباب يكون الأمر مؤلمًا، ولا ندرك حجم حضورهم في حياتنا؛ حتى نفقدهم فجأة؛ فندرك حجم الفراغ الذي يتركونه وراءهم.
تخوننا المشاعر في وداعهم، وتختلط الدموع بالآهات في التعبير عن ألم فقدهم - خصوصاً - عندما يسكنون القلب، ويستحوذون على حب الناس، ويضيفون عليها البهجة، والسرور، ويزرعون في النفوس التفاؤل، والأمل، والسعادة.
نم قرير العين يا أبو حمزة، فلقد تركت فينا سيرتك الحسنة، كنت رجلاً لك من الطيبة والوقار والمكانة في كل راحلة تحطها أقدامك، لم نستطع أن نوفي فيك معاني العطاء والإخاء والمحبة والشرف ونبل الأخلاق مهما حاولنا التعبير، حقًا تخونني الألفاظ والمعاني ولن توفيك الكلمات حقك ولم يستطيع قلمي وصفك.
وإني لا أشك لحظة أن للموت رحمات بالأحياء قبل أن يكون بردًا وسلامًا على المؤمنين الراحلين، فمن رحماته أنه يدرأ الشر والظلم عن نفوس جبلت على القلق من حتمية النهايات، ويستعيد نفوسًا أخرى لمواطن البذل والعطاء والتسامح لأنها مدركة إنه حق لا ريب فيه، وهي النفوس التي جبلت على الخير، وإلا فكثير من القلوب قُدّ من صخر أو حديد، لا ذاكرة الموت تنفعهم ولا انحدارهم من قمة العمر لأسفله يوطن نفوسهم على بذل الخير أو كف الظلم والأذى.
وقد لا يعني القارئ أي صديق عزيز على قلبي أرثي اليوم، لأنه قد لا يعرفه، ومن يعرفه حق المعرفة قلة من أصدقائه ورفاقه ومحبيه، وأنا حتى اللحظة لم أكتب رثاء في صديق وإنما كنت أرثي الأحياء قبل الأموات، والباقين عوضًا عن الراحلين.
لقد أثارت فاجعة رحيله ومفاجأتها غصة في الحلق، وانحسارًا لمدد الرفقة الجميلة، وانطفاء لومضة نبل إنساني، وإذا إجتمع في المرء النبل وحب الخير وكرامة النفس والوقوف عند الحق فقد ترك الدنيا وهي أحسن مما وجدها، وفي هذا عزاء لنا وأي عزاء.
أشهد الله أن الصديق المخلص حسام جمال الرجل الجميل الطيب ترك الدنيا أحسن مما وجدها، فلم تكن حاجته وضعف حيلته في أول حياته وصروف الإنهاك التي مر بها أو مرت به، إلا دافعًا جميلًا لصنع الخير عندما أدركته الدنيا، وإن فيه خصلتين أقدرهما أيما تقدير: «كرامة النفس ونُبل المقصد».. لقد رحل عن الدنيا وهو زائد فيها، ولم يكن زيادة عليها، وقد تركها أحسن مما وجدها.. للموت كرامات ورحمات أيها الباقون.. و«إنا لله وإنا إليه راجعون».
أبو حمزة إننا نستمد من كرم أخلاقك الكثير، وكما يقولون لا تموت ذكرى رجل خلّف وراءه نبل الأخلاق وحسن العشرة، وداعاً أيها الصديق الغالي الباقي في قلوبنا وفي ذاكرتنا، ورحمك الله وغفر لك وأسكنك فسيح جناته، إنّه سبحانه وتعالى ولي ذلك والقادر عليه.
تجرعنا مرارة الفقد، وآلام الفراق، وسيبقى عزاؤنا فيك يا حسام، هو هذا الحب الذي تركته في قلوبنا، فعلى فراقك نثرنا دموع الأوفياء، وعزاؤنا أنك تصالحت مع الموت كما تصالحت مع الحياة، وستبقى في ذاكرتنا خالدة أيامك الجميلة؛ ولأننا سنبكيك، ونرثيك، وننعيك، ونترحم عليك، ونطلب لك الشفاعة، وسندعو لك في مرقدك، بأن يؤنس الله لك وحدتك.
رحمك الله يا صديقي حسام، وعزائي لنفسي ولأبنائك وإخوتك وأخواتك وأبنائهم، وكل من عرفك رجلًا شهمًا كريمًا دمث الأخلاق، دائم الإبتسام، راسخ العقيدة والإيمان، فلم يكن أبو حمزة يتأخر لحظة واحدة عن مد يد العون لكل محتاج – مهما كانت حاجته – حتى قبل أن ينطق بها؛ وهذا منتهى المروءة والشهامة والكرم.
رحمك الله يا أبو حمزة كلما تعاقب الليل والنهار، وكلما هبت النسائم، وهدلت الحمائم، وكلما ذكر الله ذاكر، أو غفل عن ذكره غافل، رحمك الله يا صديقي وجعل منزلتك الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُنَ أولائك رفيقا.
والله إن القلب ليحزن، وأن العين لتدمع، وإنا لفراقك يا أبو حمزة لمحزونون، ولكننا لا نقول إلا ما يُرضي الله إنا لله وإنا إليه راجعون.. اللهم اغفر له وارحمه، وتجاوز عنه، وتقبله قبولًا حسنًا، وأكرم نُزُلَه، ووسّع مُدخلَه، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقّه من الخطايا كما يُنقى الثوب الأبيض من الدنس.
تطبيق نبض