المغرب على صفيح ساخن.. "جيل زد 212" بين مطالب الإصلاح وأعمال الشغب
شهدت المغرب لليوم الخامس على التوالي احتجاجات متصاعدة تطلقها حركة شبابية غامضة تُعرف باسم "جيل زد 212"، تجمع في اسمها بين الإشارة إلى الجيل الجديد (زد) ورمز الاتصال الدولي للمغرب (212).
وسمحت السلطات للمرة الأولى لهذه الحركة بتنظيم تظاهرات في عدة مدن مساء الأربعاء، جرت غالبيتها في بداياتها بهدوء، حيث تجمع المئات من الشباب في الدار البيضاء وفاس وطنجة وتطوان ووجدة، رافعين شعارات تطالب بـ"العدالة الاجتماعية" و"إسقاط الفساد"، بينما دعا آخرون إلى "رحيل" رئيس الوزراء عزيز أخنوش .
لكن هذه الاحتجاجات السلمية تحولت إلى أعمال عنف في عدة مناطق مع تقدم ساعات الليل، وخصوصاً في المدن الصغيرة خارج نطاق المناطق التي دعت الحركة للتظاهر فيها.
ووفقاً لوزارة الداخلية المغربية، فقد شهدت بعض هذه التظاهرات "تصعيداً خطيراً مسَّ بالأمن والنظام العامين، بعدما تحولت إلى تجمهرات عنيفة استعملت فيها مجموعة من الأشخاص أسلحة بيضاء وزجاجات حارقة والرشق بالحجارة" .
مأساة القليعة.. من الاحتجاج إلى الاقتحام
في بلدة القليعة القريبة من أغادير جنوبي المغرب، تحولت الاحتجاجات إلى أعنف مواجهة عندما حاولت مجموعات من الشباب اقتحام ثكنة للدرك الملكي.
وبحسب الرواية الرسمية للسلطات المحلية، فقد بدأت الأحداث عندما رشق متظاهرون مركز الدرك بالحجارة وحاولوا اقتحامه، ليتم صدهم في البداية "باستعمال قنابل مسيلة للدموع" .
لكن المجموعات عادت إلى الهجوم بعد تعزيز صفوفها بمجموعات كبيرة من "مثيري الشغب" - وفق التوصيف الرسمي - وهم "مدججون بأسلحة بيضاء"، حيث تمكنوا من اقتحام المركز والاستيلاء على سيارة وأربع دراجات نارية تابعة للدرك، وإضرام النار في السيارة وفي جزء من بناية المركز، بينما الأكثر خطورة، كما ذكرت السلطات، أنهم شرعوا في "محاولة الاستيلاء على الذخيرة والعتاد والأسلحة الوظيفية" .
أمام هذا التصعيد، اضطرت قوات الدرك - بحسب الرواية الرسمية - إلى "استعمال السلاح الوظيفي، في إطار الدفاع الشرعي عن النفس"، ما أدى إلى مقتل شخصين كانا يحاولان اقتحام الثكنة، وإصابة آخرين بجروح، فيما مثَّلت هذه الواقعة أول إراقة للدماء في الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي كانت في البداية تطالب بإصلاحات في مجال العدالة الاجتماعية .
اتساع رقعة الاضطرابات
سلسلة الاضطرابات امتدت إلى عدة مدن مغربية. ففي مدينة سلا القريبة من العاصمة الرباط، أضرم ملثمون النار في سيارتين للشرطة وكذلك في محيط وكالة مصرفية، وفقاً لمراسل وكالة الأنباء الفرنسية.
كما وردت أنباء عن وقوع أعمال شغب في مدن صغيرة أخرى لم تكن ضمن لائحة المناطق التي دعت الحركة للتظاهر فيها، ومن بينها سيدي بيبي وتارودانت بضواحي أكادير وقلعة مكونة جنوب شرقي البلاد .
وفي طنجة على مضيق جبل طارق، رشق شباب قوات الأمن بالحجارة، بينما في سيدي بيبي، أحرق شباب ملثمون مقر الجماعة الحضرية (مبنى البلدية) وأغلقوا طريقاً رئيسياً. وإلى الجنوب من أكادير في بيوكرة، تم نهب أحد البنوك وإتلاف متاجر، كما ذكر موقع لو ديسك المحلي أن مدينة مراكش، المركز السياحي في المغرب، شهدت اشتباكات عنيفة حيث أحرق المتظاهرون مركزاً للشرطة .
خسائر بشرية ومادية
كشفت وزارة الداخلية المغربية عن أرقام صادمة للخسائر البشرية والمادية التي نجمت عن أعمال الشغب، فأعلنت عن إصابة 354 شخصاً بجروح متفاوتة الخطورة، من بينهم 326 عنصراً من القوات العمومية المكلفة بالمحافظة على النظام .
كما تعرضت الممتلكات لأضرار جسيمة، حيث تم إلحاق أضرار بـ271 عربة تابعة للقوات العمومية و175 سيارة مملوكة للخواص. هذا إضافة إلى أعمال اعتداء وتخريب ونهب طالت نحو 80 من المرافق الإدارية والصحية والأمنية والجماعية والوكالات البنكية والمحال التجارية منتشرة عبر 23 عمالة وإقليماً .
حركة "جيل زد 212".. الغموض والأهداف
ظهرت مجموعة "جيل زد 212" مؤخراً على موقع "ديسكورد"، وتصف نفسها بأنها "فضاء للنقاش" حول "قضايا تهم كل المواطنين مثل الصحة، التعليم ومحاربة الفساد"، مؤكدة رفض "العنف" و"حب الوطن والملك"، واللافت أن الحركة تشدد على الطابع السلمي لاحتجاجاتها، حيث جاء في دعوتها إلى التظاهر الأربعاء التأكيد على "المحافظة على السلمية" .
كما جدَّدت الحركة التأكيد على مطالبها وأبرزها "تعليم يليق بالإنسان وبدون تفاوتات" و"صحة لكل مواطن بدون استثناءات" . وقد نجحت الحركة في حشدعدد كبير عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث ارتفع عدد الأعضاء في خادم ديسكورد الخاص بالحركة من نحو ثلاثة آلاف الأسبوع الماضي إلى أكثر من 130 ألفاً حالياً، مما يعكس النمو السريع للحركة الاحتجاجية بقيادة الشباب .
ردود الفعل الرسمية
في ردود الفعل الرسمية، أكد الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية رشيد الخلفي أن السلطات ستواصل إجراءات حماية الأمن والنظام العامين مع "ضبط النفس وعدم الانسياق وراء الاستفزازات"، مشدداً في الوقت نفسه على "التعامل بكل حزم وصرامة مع كل الأشخاص الذين يثبت ارتكابهم أفعالاً أو تصرفات تقع تحت طائلة القانون" .
من جانبها، أعلنت النيابة العامة أنها ستتعامل "بمنتهى الصرامة والحزم" مع أعمال التخريب وإضرام النار والعنف، مذكرة بأن "الأفعال المذكورة قد تصل عقوبتها إلى 20 سنة سجناً وإذا اقترنت ببعض الظروف قد تصل إلى السجن المؤبد" .
ووفقاً للقاضي زكريا العروسي رئيس وحدة تتبع تنفيذ المقررات القضائية برئاسة النيابة العامة، فقد تمت متابعة 193 شخصاً مشتبهاً بهم في أعمال العنف .
تطبيق نبض