عاجل
الثلاثاء 07 مايو 2024 الموافق 28 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

ياسر حمدي يكتب: شكرًا.. أهل مصر

تحيا مصر

قمر بائعة الجرائد، أو أم رشدي كما يلقبونها، عليها رحمة الله، كانت تربطني بها علاقة قوية من قبل ثورة يناير بعدة سنوات، نظراً لعملي بإحدى الصحف الخاصة التي كانت في بدايتها في ذلك الوقت، والتي أصبحت بعد الثورة من كبرى الصحف العربية، كعمل إضافي بخلاف عملي بإحدى المؤسسات القومية، كنت يوميًا أتابع مع السيدة حجم مبيعاتها ومدى تقبل القارئ وقبوله لهذه التجربة التى كانت ومازالت فريدة في عالم الصحافة.

بائعة الجرائد كانت في الأربعينات من عمرها، وتسكن بإحدى الغرف ذات الحمام المشترك بمنطقة الشرابية، زوجها فارق الحياة وترك لها طفلين وهي في مراحل مبكرة من عمرها، وظلت تجاهد من أجل تربيتهما بالوقوف أسفل كوبري غمرة بالصحف لبيعها للمارة وأصحاب المحالات وغيرهم، وذات يوم إتصلت بي وعلى غير العادة مساءً، وإذ بي أتحدث معها على أساس أنها صاحبة الإتصال لإجد إبنها هو من يتحدث معي وهو يصرخ من فضلك إحنا بأمي في مستشفى الهلال الأحمر برمسيس وهي بين الحياة والموت أرجوك إلحقنا.

توجهت مسرعًا للمستشفى لأجد السيدة بالعناية المركزة، وأبناءها المساكين مفطورين من شدة البكاء لطلب الإدارة منهم مبلغ 25 ألف جنيه لإجراء عملية دقيقة جدًا بالمخ، وهو مبلغ ضخم وقتها على ميسوري الحال؛ فما بالكم ببائعة الجرائد!، وهم لا حول لهم ولا قوة، وأكد الطبيب المعالج على سرعة دفع المبلغ أو جزء منه لضرورة التدخل الفوري لإجراء الجراحة العاجلة نظرًا لتعارض النزيف الشديد مع مرض أخر بالدم.

تحدثت مع مدير المستشفى والذي أكد أن هذا النوع من العمليات الكبرى لا تجرى على نفقة الدولة التي كان يستنجد بها المسكين وقتها، وأنه ليس بيده شئ، حاولت بشتى الطرق بالحديث مع عدد كبير من أصحاب المناصب العليا بالدولة في ذلك الحين وجميعها بائت بالفشل، ولم يكن أمامي سوى الإتصال بالدكتورة «هبة السويدي» رئيس مجلس أمناء مؤسسة «أهل مصر»، وعلى الفور أرسلت لي مندوب دفع المبلغ بالكامل لإدارة المستشفى، وفي نفس اللحظة دخلت أم رشدي غرفة العمليات، لكنها فارقت الحياة بعدها بإسبوع وهي بغرفة العناية المركزة.

وظل رقم هبة السويدي إلى الآن هو الملجأ الوحيد بعد الله لإنقاذ الحالات الإنسانية الحرجة، ولم تكن حالة بائعة الجرائد الوحيدة التي تدخلت على الفور بعد إبلاغها بها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قدرها الله لتكون سببًا في إنقاذ ملايين من البشر، أرسلت لها بصفة شخصية أكثر من ألفين حالة، ولم تتوانى عن عمل الخير، وظلت تجاهد في العمل الإنساني والخدمي حتى اليوم، وأنشأت مؤسسة أهل مصر للتنمية، والتي كانت السبب الوحيد بعد الله في إنقاذ ملايين من الأسر بأكملها من الموت المؤكد. 

وحلمت السويدي بإنشاء مستشفى فريد من نوعه حتى أصبح الحلم حقيقة، ورغم أنها مازالت تحت الإنشاء إلا أنها تستحق منا كل الدعم، بل والشكر الجزيل على ماقامت به وما تقدمه لهذا الشعب العظيم، فمستشفى أهل مصر لعلاج الحوادث والحروق بالمجان، أول وأكبر مستشفى ومركز أبحاث متخصص لعلاج الحوادث والحروق بالمجان في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا، صممت بطاقة استيعابية 201 سرير، كما تحتوي على مركز لعلاج الحوادث وقسم طوارئ وآخر لعلاج الحروق، وتقع في منطقة التجمع الأول في القاهرة الجديدة، على مساحة أرض 12،200 متر مربع، ومساحة مباني 45,245 متر مربع، بخلاف مستشفى أحمد عرابي بالعبور التي ظلت ومازالت لعشرات السنوات تقدم العلاج الكيماوي لمرضى السرطان، بخلاف علاج الحروق بالمجان.

وبسبب جائحة فيروس كورونا توقفت الخدمات العلاجية غير العاجلة لفترة طويلة، إلا أن مؤسسة أهل مصر للتنمية لم تتنظر إنتهاء بناء المستشفى ولم تقف مكتوفة الأيدي، ونفذت برنامج علاجي خلال عام واحد في ظل الجائحة، تضمن عدد من الخدمات العلاجية التي تم تقديمها لمصابي الحروق، شملت استقبال 515 حالة خلال العام، كما تم توقيع الكشف الطبي على 2008 حالات، كما تم إجراء عمليات الحقن والغيار لـ1820، و795 عملية جراحية، 1291 جلسة ليزر لحالات مختلفة، وتم تسليم 225 قطعة ملابس ضاغطة لحالات مصابة بالحروق، بالإضافة إلى 547 جلسة علاج طبيعي، وصرف ما يقرب من 2485 روشتة علاج للحالات.

ومنذ بداية الجائحة اتبعت المؤسسة خطة متكاملة تشمل توزيع الملابس الطبية والمستلزمات الطبية والوقائية وقد بلغ عدد المستفيدين منها ما يقرب من 1.460.169 على مستوى المصابين والاطقم الطبية في عام واحد، كما قامت بتحويل ثلاث مباني تديرها المؤسسة إلى مستشفيات عزل تحت إدارة وزارة الصحة مساهمة منها في حل الأزمة خلال إنتشار الجائحة.

وتتميز مستشفى أهل مصر لعلاج الحوادث والحروق بالمجان، بأنه تم إنشائها من خلال الاستخدام الأمثل للمساحة، كما تم مراعاة القابلية لتغير تصميم المستشفى الحالي مستقبلًا لتكون قادرة على تقديم خدمات طبية مواكبة لما يطلبه التطور العلمي، ويضم المستشفى مسارات المرضى بين الأقسام المختلفة والتي تمت دراستها وتصميمها لتقليل المسافة التي قد يقطعها المريض داخل المستشفى أثناء تنقله من قسم لأخر، وأيضًا لتحسين إستجابة طاقم التمريض لأي حالة طارئة.

مع توفير أنظمة مكافحة العدوى لتضمن بصورة أساسية تقديم الرعاية الطبية بصورة سليمة خالية من الخطورة لكل المرضى وكذلك الطواقم الطبية، كما تم تصميم قسمي العناية المركزة حروق «أطفال وكبار» بنظام غرف العزل المنفصلة وبتحكم بضغط الغرفة «ضغط سلبي للغرفة بغرض إحتواء العدوى داخل الغرفة – ضغط إيجابي للخوف من الإصابة بعدوى».

لم يتوقف دعم مؤسسة أهل مصر عند هذا الحد، بل تقدم خدمات مجانية للمجتمع من خلال عدة برامج ولعل من أهمها برنامج سيدات أهل مصر، ويركز البرنامج على تمكين السيدات الناجيات من حوادث الحروق والراعيات من أسر مصابين الحروق والسيدات بالمجتمعات المحيطة بهن تمكيناً إجتماعيًا وإقتصاديًا، وبرنامج سلامة أهل مصر، ويهدف لحماية المجتمع المصري من مخاطر حوادث الحروق وكيفية تفاديها والتعامل الصحيح في حالة وقوعها وكيفية إتخاذ كافة الإجراءات الوقائية في المنزل والمؤسسات التعليمية وأماكن العمل المختلفة مع إستخدام الأدوات التفاعلية بما يتناسب مع كل فئة طبقًا للفئات العمرية المختلفة والمستوى التعليمي، كما يهدف البرنامج لتوعية المجتمع على نبذ التنمر والعنف وحثهم على قبول الآخر والاختلاف.

وبرنامج كلنا أهل مصر، ويهدف هذا البرنامج لدمج كل مصابي الحروق من الأطفال والشباب في المجتمع وتقبل ذواتهم واكتشاف وتنمية مهاراتهم ليتمكنوا من الدمج والتعايش مرة أخرى في المجتمع في مختلف الأماكن والمؤسسات ومع مختلف الفئات المجتمعية، وقد رأينا نماذج مشرفة ورائعة منذ أسبوعين في حفل «قادرون بإختلاف» الذي حضره الرئيس السيسي وإستجاب على الفور لمطالبهم.

واتخذت هبة السويدي «بردًا وسلامًا» شعارًا لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق بالمجان، لتكون طوق النجاه لأكثر من نصف مليون مصاب يتعرضون للحرق على مدى العام، ولا يوجد كيان طبي متخصص لعلاجهم، ومنهم من يفقد حياته بسبب الحروق إن لم يعيش ما تبقى من عمره مشوهًا، لكن الحقيقة فإن المستشفى فعلاً كانت بردًا وسلامًا على أهل مصر الطيبين، رغم عدم إكتمالها بالشكل النهائي، وأصبحت نهاية لمأساة المصابين بالحروق، لتستحق أهل مصر منا وبكل قوة الشكر والتقدير، والعمل الضروري وبإلحاح على تقديم الدعم والمساندة والمساهمة لإنهاء الأجهزة الطبية النهائية الخاصة بالمرحلة الأولى تمهيدًا للإفتتاح الكبير خلال الأسابيع القليلة القادمة، ليستمر قطار إنقاذ الحالات الحرجة والإنسانية في التقدم.

تابع موقع تحيا مصر علي