عاجل
الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

العملة التي تشتري البؤس للمجتمع المصري

كتب أحدهم تغريده يتحدث فيها عن اللغة العربية وأشار إلى أن المواد العلمية تدرس بالحروف اللاتينية، وأشار أيضا إلى أن اللهجة المصرية ليست لغة عربية، وأن 80 % من مفرداتها هي كلمات مصرية قديمة وأننا يجب كي نلتحق بركب الحضارة أن نتخلى عن اللغة العربية وأن نعيد كتابة لهجتنا المصرية بالحروف اللاتينية.

نماذج وأفكار ترتدي ثياب التنوير.. وتسيء إليه

تعجبت كثيرًا من تلك النماذج والأفكار التي ترتدي ثياب التنوير وهي في الحقيقة تسيء للتنوير؛ ما هذه السطحية المفرطة في مفهوم الحضارة! هل اللغة وطريقة كتابة الحروف هي من ستحول المجتمع إلى التحضر، والدخول في مصاف الدول المتقدمة؟! استخفاف مجحف لمفهوم الحضارة والتطور والتقدم.

الحضارة ترتكز على ركائز كثيرة، واللغة من وجهة نظري جزء فرعي من كل أكثر تأثيرًا في بناء الحضارة؛ فليست كتابة اللغة بالحروف اللاتينية التي تستخدمها معظم الدول المتقدمة دافعًا للتطور، وليست اللغة الإنجليزية التي تستخدمها معظم دول العالم الأول هي المسوغ لهذا التطور، فاليابان تقدمت وتطورت وهي تنطق وتستخدم لغتها القومية التي عاشت بها سنوات ظلامها، والصين أيضًا، والهند بها 22 لغة رسمية معترف بها، ورغم ذلك كل هذه الدول نالت من التطور العلمي نصيبها الكبير، واليابان والصين باتت من الاقتصادات الأكبر والأقوى في العالم، ولم يتخلوا عن لغتهم ولا عن حروفهم، ولم يمنعهم ذلك عن الحضارة والتطور العلمي والتكنولوجي، وعلى الجانب الآخر سنجد الكثير من الدول الأفريقية تحولت الى لغات الدول التي احتلتها كالفرنسية والبرتغالية وغيرهما، وكان تحولًا كاملًا كتابة ونطقًا، ومازالت تعاني التخلف والتأخر الحضاري والعلمي وأضف عليهم العديد دول أمريكا اللاتينية.

الركيزة الكبرى في التطور الحضاري هي بناء الوعي والعقل

الركيزة الكبرى في التطور الحضاري هي بناء الوعي والعقل القادر على التفكير والابداع المتكئ على المعرفة وقبل كل ذلك بناء القيم الإنسانية والأخلاقية التي تنظر للبشر نظرة الاحترام، حتى لو اختلفنا في اللون او الجنس او الثقافة او الدين. إن بناء الإنسان هو الركيزة الأولى والأساسية في بناء الحضارة وليس تغيير اللغة.

إن إلقاء جزء كبير من تاريخنا المصري - الثقافة الإسلامية والعربية - خارج السياق لمجرد ارتباطه بثقافة جديدة ودخلت على ثقافتنا الأصلية والارتداد الأعمى لجذور حضارتنا المصرية القديمة والعظيمة هو انتحار وتخلف أعمى.. لابد وأن نكون مبصرين في رحلة التطور كي نستطيع أن نصل إلى محطتنا التي نتمنى.

الحضارة المصرية القديمة بُنيت على القيم الإنسانية والعلمية والمعرفية 

إن حضارتنا المصرية القديمة كانت حضارة مبنية على القيم الإنسانية والعلمية والمعرفية طبقا للخبرة الإنسانية في تلك الفترة الزمنية القديمة من تاريخ البشرية، وهذا ما يجب أن نركز عليه في استعادة مفردات حضارتنا المصرية القديمة. ما فرقك يا سيدي عن هؤلاء الذين ينادون بالارتداد لزمن الخلافة بحجة أن عصرهم كان عصر ازدهار للحضارة الإسلامية، وفعليا كانت منطقة الشرق الأوسط الإسلامي والعربي في فترة من الزمن هي الدول المتقدمة بالنسبة للعالم لأن حينها كان العقل له قيمته، واجه بعض العلماء والفلاسفة صراعات ونكبات، ولكن حين تتعمق في تلك الصراعات ستجد ان أصلها صراعات سياسية ولم تكن فكرية محضة وكانوا يتحدثون العربية ويكتبون العربية وكان الغرب يتحدث ويكتب باللاتينية.

التطور التنويري لا يأتي بالغرق في التفاهات الظاهرية والتي أجد الكثير من التنويرين يغرقون فيها وكل همهم ليس التنوير ولا الحضارة فقط يريدون اثبات أن الطرف الآخر جاهل وفاسد ومتخلف. هذا ما يهمهم لكن لا يهمهم بناء الانسان المصري فعليا على القيم الإنسانية والحضارية. ان العلمانية التي نتمناها لا تدفعك إلى هذا الاختزال المجحف لتطور المجتمع.. لدينا قضايا أكبر من تلك القضية الصغيرة مقارنة بقضية التعليم وبناء الانسان وتنمية العقل النقدي وتنمية الأخلاق الحقيقية وكسر تكلس التدين الظاهري المسيطر على قطاع كبير جدا من المجتمع المصري. 

يا سادتي الكرام أنتم تدخلون في صراعات تافهة لا قيمة لها في بناء الانسان وتختزلون الأمر في اللغة والحروف والعديد من المظاهر الفرعية البائسة التي يدور الصراع عليها بين فريقين هما في النهاية وجهان لعملة واحدة نشتري بها البؤس للمجتمع المصري.

تابع موقع تحيا مصر علي