عاجل
الإثنين 29 أبريل 2024 الموافق 20 شوال 1445
رئيس التحرير
عمرو الديب

مفتي الجمهورية: الستر على مرتكب المعصية أمر يحبه الله ورسوله

الدكتور شوقي علام
الدكتور شوقي علام - مفتي الجمهورية

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن مَن ابتُلي بمعصيةٍ عليه أن يستُر على نفسه ويستغفر الله منها ويتوب إليه ولا يُخبر بها أحدًا؛ فإنْ أسرَّ بذنبه ومعصيته إلى شخص آخر- فلا يجوز لهذا الشخص الآخر أن يكشفَ سرَّه لغيره  للتشهير به، فذلك يُعَدُّ من الغيبة المحرمة شرعًا؛ لأنَّ فيه ذكر الشخص بما يكره أن يُذكَر به.

تحيا مصر 

ويُستثنى من ذلك ما تقتضيه الضرورة لإباحة هذا السر وكشف ذاك المستور، كما وضَّح العلماء؛ مثل الاحتياج  إلى ذلك في باب القضاء أو الإفتاء أو الاستشارة لضرورة الإخبار بحقيقة الأمر.

مقارفة الذنوب والمعاصي

وأكد مفتي الديار المصرية، أنَّ مقارفة الذنوب والوقوع في المعاصي ليس ببعيد عن الطبيعة الإنسانية؛ فكل إنسان مُعرَّض لشيء من ذلك قلَّ أو كثُر، ولكن الإصرار على الذنوب وعدم التوبة منها وخيم العواقب سيئ الآثار في الدنيا والآخرة؛ قال تعالى: «فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ» (العنكبوت: 40).

وعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ». أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه.

المجاهرة بالذنب

وأشار فضيلة المفتي، إلى أن ممَّا يعظُم به الذنب أن يتمّ المجاهرة به، بأن يرتكبَ العاصي الذنب علانية، أو يرتكبه سرًّا فيستره الله عزَّ وجلَّ لكنَّه يُخبر به بعدَ ذلك مستهينًا بسِتْر الله له؛ فعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ» متفق عليه.

فعلى مَن ابتُلي بمعصيةٍ ألَّا يُخبر بها بل يُسرّها ويستغفر الله منها ويتوب إليه؛ فإنْ فعلها ثم أسرَّ بها إلى شخص آخر؛ فلا يجوز لهذا الآخر أن يكشفَ سرَّه ليشهر به، ولا يجوز لمَنْ استؤمن على شيء أن يكشفه لغيره؛ قال تعالى: «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا» (الإسراء: 34).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» متفق عليه، وعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضي الله عنه قال: قال رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» أخرجه مسلم.

الغيبة من الكبائر المحرمة

وأوضح مفتي الجمهورية، أن الغيبة من الكبائر المحرمة التي توافرت النصوص الشرعية في الكتاب والسنة في الدلالة على حرمتها والتنفير منها ومن مظاهرها؛ ومن ذلك قوله تعالى: «وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا ٱللهَ إِنَّ ٱللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ» (الحجرات: 12)، وما رواه أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ». قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ، قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ». أخرجه مسلم.

وذِكر ما فعله المجاهر بذنبه للآخرين بغرض التحذير منه جائز شرعًا؛ لوجود المقتضِي لذكره، كسؤال شخص عنه لمعاملته؛ فيجوز للمسئول أن ينقل ما جاهر هذا العاصي بفعله إن كان في ذلك نصح للسائل، وقد ذكر العلماء عدة حالات تباح فيها الغيبة؛ لوجود المقتضي وغلبة المصلحة على المفسدة، قال شيخ الإسلام محيي الدين النووي في (رياض الصالحين): «اعلم أنَّ الغيبة تباح لغرض صحيح شرعي لا يمكن الوصول إليه إلا بها، وهو ستة أسباب: 

الأول: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان والقاضي وغيرهما ممَّن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه، فيقول: ظلمني فلان بكذا.

الثَّاني: الاستعانة على تغيير المنكر، وردّ العاصي إلى الصواب؛ فيقول لمَن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإنْ لم يقصد ذلك كان حرامًا.

الثَّالثُ: الاسْتِفْتَاءُ؛ فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك..؟

الرَّابعُ: تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم.

الخامِسُ: أن يكون مجاهرًا بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر.. فيجوز ذكره بما يجاهر به؛ ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أنْ يكون لجوازه سبب آخر ممَّا ذكرناه.

السَّادِسُ: التعريف؛ فإذا كان الإنسان معروفا بلقبٍ، كالأعمش، والأعرج، والأصم، والأعمى، والأحول، وغيرهم جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقص، ولو أمكن تعريفهم بغير ذلك كان أولى، فهذه ستة أسباب ذكرها العلماء وأكثرها مُجْمَعٌ عليه، ودلائلها من الأحاديث الصحيحة مشهورة.

حكم التشهير بمرتكب المعصية

وأختتم مفتي الديار المصرية، أن التشهير بمرتكب المعصية وذكر مساوئه لغير غرض من الأغراض التي تباح لها الغيبة يندرج في الغيبة المحرمة؛ كما لو ذكر عنه شيئًا من المعاصي غير ما جاهر به، ولا يجوز أن يذكر الشخص الذي ارتكب المعصية وأعلن بها لمجرد تشويه سيرته عند شخص آخر؛ لأنَّ هذا من الغيبة المحرمة؛ لأنَّ القصد هنا ليس النصح والتحذير، بل مجرد التشهير وتشويه سيرة المذنب.

والستر على المُخطئ لمنحه الفرصة للعدول عن خطئه وسلوكه السيئ أمر يحبه الله سبحانه وتعالى؛ فعَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ رضي الله عنه: أَنَّ رسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ» أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي.

ولقد أمر الإسلام أتباعه بأن يتحلّوا بالستر وغض الطرف عن عثرات الناس وعدم تتبع عوراتهم وعدم التشهير بهم؛ عونًا لهم على التوبة وإصلاح النفس؛ ففي الحديث الشريف، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللهُ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أخرجه مسلم.

تابع موقع تحيا مصر علي