عاجل
الجمعة 05 ديسمبر 2025 الموافق 14 جمادى الثانية 1447
رئيس التحرير
عمرو الديب

قراءة تحليلية لرد حماس|قبول جزئي لخطة ترامب يضع إسرائيل في اختبار صعب أمام العالم

موسي أبو مرزوق -
موسي أبو مرزوق - خالد مشعل

أحدث إعلان حركة حماس قبولها ببعض البنود الرئيسية من خطة الرئيس الأمريكي  دونالد ترامب بشأن مستقبل غزة، تحولًا لافتًا في المشهد السياسي للمنطقة، حيث بدا أن الحركة تسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على ثوابتها الوطنية وبين تقديم نفسها للعالم كطرف براغماتي يسعى لإنهاء الحرب.

قبول مشروط.. ورسائل سياسية مزدوجة 

البيان الذي صدر مؤخرًا عن الحركة حمل في طيّاته رسائل سياسية متعددة الاتجاهات، فهو من ناحية يعكس استعدادًا للتجاوب مع المبادرات الدولية، ومن ناحية أخرى يؤكد رفض حماس لأي ترتيبات تمس سيادتها أو سلاحها أو حق الفلسطينيين في البقاء على أرضهم

كما أعلنت حركة حماس أنها تقبل بالإطار العام لإنهاء الحرب وانسحاب إسرائيل من قطاع غزة، مع الإفراج المتبادل عن الرهائن والسجناء وتدفق المساعدات الإنسانية، دون أن تقدم التزامات محددة تتعلق بمستقبل إدارتها للقطاع أو بتسليم السلطة لطرف آخر

جدير بالذكر ان البيان حمل ما يمكن وصفه بـ"القبول المشروط"، حيث وافقت الحركة على المرتكزات الإنسانية والسياسية الكبرى في الخطة الأمريكية، لكنها في الوقت ذاته تحفظت على بعض التفاصيل الجوهرية، خاصة ما يتعلق بمرحلة ما بعد الحرب وإدارة غزة سياسيًا

 

ملف الرهائن والمحتجزين... خطوة رمزية بُعدها الإنساني والسياسي

ومن أبرز النقاط التي وافقت عليها حماس، إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين والمحتجزين الفلسطينيين وفق صيغة التبادل الواردة في المقترح الأمريكي

وقالت الحركة إنها ستفرج عن جميع أسرى الاحتلال أحياءً وجثامين وفق الظروف الميدانية المناسبة، من دون أن تحدد تفاصيل تلك الظروف، مشيرة إلى استعدادها لبدء محادثات فورية عبر الوسطاء

في المقابل، تنص خطة ترامب على أن تسلم حماس جميع الرهائن خلال 72 ساعة من قبول إسرائيل علنًا بالاتفاق، وأن تفرج إسرائيل بعد ذلك عن 250 سجينًا فلسطينيًا محكومين بالمؤبد و1700 معتقل من سكان غزة، بينهم النساء والأطفال

كما تضمنت الخطة بندًا ينص على أن إسرائيل ستفرج عن رفات 15 فلسطينيًا مقابل كل جثمان رهينة إسرائيلي، وهو ما وصفه محللون بأنه صيغة رمزية تهدف لإضفاء بعد إنساني على الاتفاق المقترح

وقف إطلاق النار والانسحاب الإسرائيلي... لبّ الخلاف

ومن جانبها أكدت حماس في بيانها أنها توافق على وقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي انسحابًا كاملًا من قطاع غزة، لكنها رفضت فكرة الانسحاب المرحلي التي وردت في خطة ترامب.

فبينما تحدثت الخطة الأمريكية عن انسحاب تدريجي مشروط باستكمال عملية تبادل الرهائن وضمانات أمنية لإسرائيل، شددت حماس على أن الانسحاب يجب أن يكون كاملاً وفوريًا دون أي وجود عسكري إسرائيلي داخل القطاع.

ونص المقترح الأمريكي على أن القوات الإسرائيلية ستنسحب إلى خطوط متفق عليها للتحضير لعملية التبادل، وأنه خلال تلك المرحلة سيتم تعليق العمليات العسكرية بما في ذلك القصف الجوي والمدفعي، لتبقى خطوط القتال مجمدة إلى حين تنفيذ الانسحاب الكامل.

ويرى محللون أن هذا التباين يعكس جوهر الخلاف السياسي بين الطرفين:

فبينما تسعى إسرائيل إلى ربط الانسحاب بشروط أمنية، تصر حماس على أن الانسحاب الكامل شرط لوقف الحرب

المساعدات الإنسانية وإعادة الإعمار... اتفاق في المبدأ واختلاف في التفاصيل

وفي ذات السياق أبدت حركة حماس ترحيبها بالمقترح الأمريكي الخاص بزيادة المساعدات الإنسانية إلى غزة، خاصة بعد أشهر طويلة من الحصار والنزوح، مؤكدة في بيانها أنها ترفض بشكل قاطع أي خطة تتضمن تهجير الفلسطينيين خارج القطاع.

في المقابل، تنص خطة ترامب على أن يتم إرسال المساعدات فورًا بكميات تتوافق مع اتفاق 19 يناير، وأن تشمل إعادة تأهيل البنية التحتية والمستشفيات والمخابز وفتح الطرق وإزالة الأنقاض، بإشراف الأمم المتحدة والهلال الأحمر والمؤسسات الدولية.

ورغم أن الجانبين يتفقان على ضرورة الإسراع بإعادة الإعمار، إلا أن الخطة الأمريكية تحصر الإشراف في المؤسسات الدولية، بينما تفضل حماس أن يكون الدور المحلي الفلسطيني هو الأساس، بما يضمن السيادة وعدم تحويل غزة إلى منطقة وصاية دولية

إدارة غزة... جوهر الصراع السياسي القادم

ويكمن أبرز نقاط الخلاف بين الطرفين متمثل في مستقبل إدارة قطاع غزة بعد الحرب

فبينما تشير خطة ترامب إلى ضرورة تشكيل سلطة فلسطينية انتقالية بإشراف دولي، لمّحت حماس إلى استعدادها للتعامل مع هيئة فلسطينية مستقلة ذات طابع ديمقراطي، لكنها لم تُعلن صراحة عن نيتها التخلي عن إدارة القطاع أو سلاحها.

ويرى خبراء أن هذا الغموض المتعمد من جانب حماس يهدف إلى كسب الوقت وإبقاء جميع الخيارات مفتوحة، في ظل إدراك الحركة لصعوبة الاستمرار في السيطرة المنفردة، ولكن دون تقديم تنازلات قد تُضعف موقفها التفاوضي.

بين قراءة النوايا وموازين القوى... حماس تراهن على التحول الدولي

الموقف الجديد من حماس أعاد خلط الأوراق في المشهد الدولي.

فقد نجحت الحركة بحسب مراقبين  في تحويل الأنظار من كونها الطرف المعرقل إلى الطرف المتجاوب، لتضع إسرائيل في مأزق سياسي وأخلاقي أمام العالم، خاصة في ظل تصاعد الأصوات الغربية المطالبة بوقف الحرب.

كما أن المناخ الدولي الحالي أكثر تقبلًا لأي مبادرة توقف النزيف الإنساني في غزة، ما يمنح حماس فرصة لإعادة تقديم نفسها كقوة سياسية قادرة على التفاوض وليس فقط طرفًا عسكريًا في صراع ممتد.

في المقابل، تبدو إسرائيل اليوم في موقف دفاعي، تحاول من خلاله تفسير استمرار العمليات العسكرية رغم استعداد حماس للتهدئة، وهو ما جعل كثيرًا من المحللين يعتبرون أن الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي.

غزة بين الحسابات الإقليمية وواقع ما بعد الحرب

يبقى المشهد في غزة مفتوحًا على كل الاحتمالات، بين المرونة السياسية التي أبدتها حماس، والضغوط المتصاعدة على إسرائيل، والدور الإقليمي المحوري لمصر والأردن في تثبيت وقف إطلاق النار ومنع التهجير

جدير بالذكر إن قبول حماس ببعض بنود خطة ترامب  رغم التحفظات — يمثل أول مؤشر على تحول تكتيكي في فكر الحركة، يعكس إدراكًا واقعيًا بأن السياسة أحيانًا أكثر فاعلية من السلاح.

وفي الوقت الذي تتغير فيه المواقف بسرعة غير مسبوقة، يبدو أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة رسم لمعادلات الصراع في الشرق الأوسط، حيث لم تعد الصورة التقليدية قائمة: حماس لم تعد العقبة، وإسرائيل لم تعد الضحية، والمجتمع الدولي بدأ يرى الأمور بعيون مختلفة. 

تابع موقع تحيا مصر علي